______________________________________________________
لا يقال : كما أنّ الأصل عدم التقدّم فكذا الأصل عدم التأخّر.
لأنا نقول : هو كذلك إلاّ أنّ الأصل حصل بطريق آخر ، وهو أنّ التقدّم يقتضي تحقق الرضاع في أزمنة تزيد على أزمنة تأخره ، والأصل عدم الزيادة ، وإذا وجد هذا الأصل مع أصل الإباحة قوي جانبه فرجّح به.
ج : قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) بعد قوله سبحانه : ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (٢) فإنّ المراد والله أعلم : اللاتي أرضعنكم الرضاع المحكوم شرعا بوقوعه في الحولين ، لأن ذلك شرط قطعا ، وليس محكوما بكون الرضاع في محلّ النزاع واقعا في الحولين ، لتقابل الأصلين ، فيندرج المتنازع في حلّ نكاحها في عموم ما وراء ذلكم ، وهو من أبين المرجّحات.
وقد يقال : يرجّح التحريم : بأنه إذا تعارض الناقل والمقرّ رجّح الناقل ، لأن التأسيس خير من التأكيد ، ولأنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.
وضعفه ظاهر ، لأن ترجيح الناقل في النصوص من حيث اشتماله على زيادة لا ينافيها الآخر ، أما في الأصلين كما هنا فغير واضح.
وإنما يغلب الحرام على الحلال إذا ثبت التحريم شرعا ، كما إذا اشتبهت محرمة بأجنبية ، وقد علم مما تقدّم أنّه لا بدّ من استكمال الرضعات من امرأة واحدة بلبن فحل واحد ، فلا حاجة إلى إعادته.
ويلوح من كلام الشارح الفاضل أن قول المصنف : ( لكن الثاني أرجح ) إشارة إلى خلاف ، حيث قال في آخر البحث : والأقوى عندي ما هو الأرجح عند المصنف (٣) ، والظاهر أنه لا خلاف هنا يعرف ، وإنما أراد المصنف بيان دليل المسألة والإشارة إلى تقابل الأصلين وأنّ أحدهما مرجّح على الآخر.
__________________
(١) النساء : ٢٤.
(٢) النساء : ٢٣.
(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٩.