في هذه الأزمنة المتأخّرة أنّ من أقام في بلدة أو قرية مثلا فلا يجوز له الخروج من سورها المحيط بها أو عن حدود دورها وبنيانها (١) ، هو الحقّ الحقيق بالاتّباع ، وعليه الفتوى والاعتماد. ولا يتوهّم أنّ ذلك قول مغاير للقول الثالث ، بل هو عينه ، إلاّ أنّا نقول : إنّ هذا هو المعنى العرفي لإقامة البلد.
نعم لا يضرّ خروج ساعة أو ساعتين أو نحو ربع يوم إلى حوالي البلد ، لا لصدق البلد على الحوالي ، بل لعدم منافاته لصدق الإقامة عشرة حتّى لو قال : أقم داخل السور عشرة أيام ، لم يضرّ ذلك أيضا.
وبهذا ينضبط أمر الإقامة ، وإلاّ فيحصل الاضطراب في الرستاق القريبة القرى وفي نحو ذلك.
فاللازم في قصد الإقامة قصد التوقّف في مجتمع البنيان والدور من بلد عرفا ، وعدم الخروج منها خروجا عرفيا لا بنحو عشرة أقدام وعشرين ونحوهما ممّا لا يخلّ بالإقامة من خروج زمان يسير.
وحمل الإقامة على ترك السفر الشرعي كان معنى حسنا منضبطا لو كان على إرادته والحمل عليه دليل ، ولكن لا دليل عليه أصلا.
د : قال في المنتهى : لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية ، ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدّة التي يبطل حكم السفر فيها ، لم يبطل حكم السفر ، لأنّه لم ينو الإقامة في بلد بعينه ، فكان كالمنتقل في سفره من منزل إلى منزل (٢).
قال في المدارك : وهو حسن (٣) وتبعه جمع آخر (٤).
وهو كذلك ، ووجهه واضح ، فإنّ الثابت هو تعلّق الإتمام على من قصد
__________________
(١) الحدائق ١١ : ٣٤٤.
(٢) المنتهى ١ : ٣٩٨.
(٣) المدارك ٤ : ٤٦١.
(٤) كالمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤١٢ ، والعلامة المجلسي في البحار ٨٦ : ٤٣.