منها ، فيلزم علينا الآن المحاكمة بينها وترجيح الراجح منها.
فنقول : قد عرفت أنّ ما يدلّ على تحتّم الإتمام فيما دون الثمانية الممتدّة دلالة تامة ينحصر في أخبار ثلاثة معارضة مع جميع أخبار القسمين من أخبار الأربعة ، وهي راجحة بالأشهرية رواية جدّا ، والأصحية سندا ، فيجب ترجيحها ، مضافا إلى ما عرفت من أعمّية الثلاثة مطلقا عن كثير من أخبار الأربعة ، فيجب تخصيصها بها بالحمل على غير قاصد المسافة أو الأربعة ، أو المتخلّل له دخول الوطن ، ومع ذلك يصرّح الرضوي المنجبر بخلافها. ولو قطع النظر عن جميع ذلك فبعد حصول التعارض يجب الرجوع إلى التخيير.
ومنه يظهر ضعف القول بالتمام وجوبا جدّا ، وكذا القول بتحتّم القصر مطلقا ، لما عرفت من أنّ ما تتمّ دلالته عليه منحصر في روايات خمس ، وروايتا صفوان والعلل. وموثّقة ابن عمار ـ كما عرفت ـ غير شاملة لما لم يتخلّل القاطع ، أو غير ظاهرة فيه.
فلم يبق إلاّ عموم موثّقة ابن بكير ، وخصوص صحيحة عمران ، ولكنّهما غير صالحتين لإثبات الوجوب ، لشذوذه جدا ، فإنّه لم ينقل قائل به من القدماء والمتأخّرين مطلقا ، ولا معروف من متأخّري المتأخّرين ، وإنّما نسبه بعض مشايخنا إلى واحد منهم ، وأمّا نسبته إلى الكليني فغير واضحة ، بل نسب إليه القول المشهور كما مرّ (١) ، فالخبر الدالّ عليه شاذّ نادر ، بل للإجماع البتّة مخالف.
ومع هذا كلّه لا دلالة في الصحيحة على كون الأمر بالإتمام في الضيعة لأجل تخلّل القاطع ، فلعله لأجل التقيّة ، حيث كان في الضيعة من المخالفين جماعة ، بخلاف الطريق.
فلم يبق إلاّ عموم الموثّقة المعارضة بالرضوي المذكور ، المخصوص ، النافي لوجوب التقصير مع عزم المقام ، المنجبر بالشهرة القديمة والجديدة العظيمة بل الإجماع ، فتخصيصها به لازم ، ورفع اليد عن ذلك القول أيضا متحتّم ، فبقيت
__________________
(١) راجع ص ١٩٤.