الذي عظم شأنه ، فلا شيء مثله ، تواضع كل شيء لعظمته ، وذل كل شيء لعزته ، واستسلم كل شيء لقدرته ، وقر كل شيء قراره لهيبته ، وخضع كل شيء لملكته (١) وربوبيته الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه ، وأن تقوم الساعة إلا بأمره وأن يحدث في السماوات والأرض شيء إلا بعلمه ، نحمده على ما كان ، ونستعينه من أمرنا على ما يكون ، ونستغفره ونستهديه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ملك الملوك ، وسيد السادات ، وجبار الأرض والسماوات ، القهار الكبير المتعال ، ذو الجلال والإكرام ، ديان يوم الدين ، رب آبائنا الأولين ، ونشهد أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم عبده ورسوله ، أرسله بالحق داعيا إلى الحق ، وشاهدا على الخلق ، فبلغ رسالات ربه كما أمره لا متعديا ولا مقصرا ، وجاهد في الله أعداءه لا وانيا ولا ناكلا ونصح له في عباده صابرا محتسبا ، فقبضه الله اليه وقد رضي عمله ، وتقبل سعيه ، وغفر ذنبه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، واغتنام ما استطعتم عملا به من طاعته في هذه الأيام الخالية ، وبالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تكونوا تحبون تركها ، والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها ، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا فكأن قد قطعوه ، وأفضوا إلى علم فكأن قد بلغوه ، وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها ، وكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه ، وطالب حثيث في الدنيا يحدوه حتى يفارقها ، فلا تتنافسوا في عز الدنيا وفخرها ، ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها ، ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها ، فان عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع ، وإن زينتها ونعيمها إلى زوال ، وإن ضرها وبؤسها إلى نفاد ، وكل مدة منها إلى منتهى وكل حي منها إلى فناء وبلاء ، أو ليس لكم في آثار الأولين وفي آبائكم الماضين معتبر
__________________
(١) هكذا في النسخة الأصلية وفي هامشها « لملكوته » وفي الفقيه « لمملكته » والجميع بمعنى العز والسلطنة.