ثمّ إن ما ذكره من استقلال العقل في الحكم بقبح المؤاخذة في الفرض المذكور ممّا لا شبهة فيه ولا ريب يعتريه يشهد به الوجدان ، وتقبيح العقلاء كافة من يعاتب عبده ويؤاخذه على ترك المركّب المسبّب عن ترك بعض أجزائه الذي لا يعلم العبد بوجوبه بعد الفحص التام بقدر وسعه عنه فيما نصبه المولى لمعرفة أحكامه ، وما حكم به العقل عند فقد الطريق المنصوب من قبل المولى سيّما بملاحظة الخصوصيّة التي ذكرها الأستاذ العلامة بقوله : « خصوصا مع اعتراف المولى بأني ما نصبت لك عليه دلالة » (١) فإن حكم العقل بقبح المؤاخذة في الفرض أوضح.
ودعوى : أن العقل إنما يقبح المؤاخذة على المولى فيما لم ينصب دلالة على الحكم أصلا ، لا فيما نصبها واختفت على العبد ، والكلام إنما هو في الثاني لا الأوّل.
فاسدة جدّا ؛ لأنه إذا قيل بكون العلم الإجمالي بالتكليف علّة تامّة في نظر العقل في حكمه بوجوب الاحتياط وإن تردّد متعلّقه بين الأقل والأكثر لم يكن معنى للدعوى المذكورة أصلا.
ومن هنا نلتزم بوجوب الاحتياط فيما التزمنا بوجوبه من المتباينين حتى في صورة العلم بعدم نصب الدلالة عن المولى على بيان المكلّف به على ما عرفت
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣١٨.