لأنا نقول : الفرق بين المقامين ظاهر ؛ لأن مقتضى البراءة بعد الفحص بحكم الشارع والعقل عدم الالتفات والاعتناء باحتمال اعتبار الزائد في المأمور به ، فيتبيّن المأمور به في مرحلة الظاهر بالمعنى الذي عرفت ، وهذا بخلاف المقام ؛ فإن مقتضى العقل والنقل فيه وجوب الالتفات إلى الاحتمال المزبور ، فحاله حال الشاكّ في المأمور به على القول بوجوب الاحتياط في ماهيّات العبادات.
لا يقال : على ما ذكرت : من المناط لا يمكن تحقّق قصد التقرّب ممّن يجب عليه الاحتياط عند دوران الأمر في المكلّف به بين المتباينين ؛ ضرورة عدم علمه عند إتيانه بكلّ منهما كونه مأمورا به ، وإلاّ لم يكن متردّدا.
لأنا نقول : تحقّق قصد التقرّب من المحتاط في الفرض المزبور إنّما هو من جهة قصده الإتيان بهما معا الذي هو مشتمل على الإتيان بالمأمور به قطعا. ومن هنا نقول : بعدم إمكان تحقّق قصد التقرّب منه لو كان بانيا من أول الأمر على الاقتصار بأحدهما هذا. ولكن المختار عند شيخنا في « الرسالة المعمولة في التقليد » صحّة عبادة المتردّد فراجع إليها. هذا بعض الكلام في الموضع الأوّل.
وأمّا الكلام في الموضع الثاني فحاصله :
أنه لا إشكال في تحقق قصد التقرّب منه ولو كان مقصّرا في ترك الفحص عن الواقع فأمره لا يخلو : إمّا أن يعلم ، أو يظنّ بالطريق المعتبر ـ بعد التبيّن