اطّلاعه ووقوفه على عدم المقتضي للوجود.
فعلى هذا يجوز أن يصير علّة الحكم بالعدم متعدّدة بالنّظر إلى حاكمين ، وهذا بخلاف الوجود ؛ فإنّ الحكم به لا يمكن إلاّ بعد الوقوف على وجود جميع ما له دخل فيه : من المقتضي ، وعدم المانع. فإذا اطّلع العقل عليه في مورد وحكم بمقتضاه ، فلا يجوز أن يحكم الشارع عليه في هذا المورد من جهة أخرى ، وإلاّ لزم إمّا خطأ العقل في إدراكه ، أو جواز اجتماع العلل المتعدّدة على المعلول الواحد ، وكلاهما باطلان.
أمّا الثّاني : فظاهر ، وأمّا الأوّل : فلأنّه بعد قطع العقل بشيء فلا يمكن أن يجوز خطأه ، وإلاّ لم يكن قاطعا ، على أنّ الكلام مفروض في صورة عدم خطأه ؛ لأنّه في جواز تعدّد ما يصلح واقعا للحكم لا باعتقاد الحاكم ، فبناء على ما ذكر : إذا فرض في مورد القطع بانتفاء العلّة العقليّة في طرف الوجود يلزمه القطع بانتفاء أصل الوجود بقول مطلق.
لا يقال : ما ذكرته من لزوم أحد المحذورين في طرف الوجود على تقدير الالتزام بتعدّد علّة الحكم يلزم بعينه في طرف العدم على هذا التقدير أيضا. بيان الملازمة أنّ ما حكم العقل بالعدم من جهته : إمّا أن يكون في الواقع علّة للعدم ، أو لا. فعلى الأوّل : يلزم الثّاني ، وعلى الثّاني : يلزم الأوّل. والمفروض : أنّ البرهان على فساد المحذورين : هو برهان العقل الغير القابل للتّخصيص.
لأنّا نقول : لسنا ندّعي جواز استناد العدم في الواقع في مورد واحد إلى أشياء متعدّدة ، كيف؟ وهو مستحيل ، إلاّ أنّا ندّعي : أنّ علّة الحكم فيه يمكن أن يكون متعدّدة بالنّظر إلى حاكمين ، لا بمعنى اعتقاد كلّ منهما انحصار العلّة فيما