الاحتياط لا يختصّ بالشّبهة التّحريميّة حسب ما فصّلنا القول فيه في الجزء الثّاني من التّعليقة هذا.
ولكن لا يخفى عليك اندفاع هذا النّقض عن المستدلّ ؛ لأنّه ممّن لا يفرّق في وجوب الاحتياط بين الشّبهتين وخالف معشر الأخباريّين في ذلك كصاحب « الحدائق » في طيّ بعض كلماته.
نعم ، هنا إيراد وارد على أكثر الأخباريّين وهو أنّه كيف قالوا بوجوب الاحتياط في باب الاستصحاب مطلقا من جهة الأخبار؟ مع أنّ بناءهم على الفرق في مسألة الاحتياط بين الشّبهة الوجوبيّة والتّحريميّة ، فمقتضى هذا ، التّفصيل في اعتبار الاستصحاب أيضا بين الصّورتين ، مع أنّهم أطلقوا القول بعدم اعتباره مطلقا.
ولم يظهر لي ما يدفع هذا الإشكال منهم ، إلاّ القول : بأنّ الحكم بعدم وجوب الاحتياط في مسألة البراءة إنّما هو من جهة ورود بعض الأخبار الظّاهرة فيه بخصوصه ، وهذا بخلاف مسألة الاستصحاب ، فيحمل الأخبار الواردة فيه على الشّبهة الموضوعية جمعا بين الأخبار فتأمّل.
ثمّ إنّه ربّما يورد عليهم أيضا : بأنّه لا معنى لنفي الاستصحاب مطلقا ؛ إذ قد يكون موافقا لأصالة الاحتياط ؛ إذ ليس الاستصحاب نافيا للتّكليف في جميع الموارد هذا.
وأنت خبير باندفاع هذا الإيراد عنهم ؛ لأنّ حيث الاستصحاب غير حيث الاحتياط ، والالتزام بالحكم من الجهة الأولى مع عدم الدّليل عليه لا ينفكّ عن التّشريع قطعا ، وهذا بخلاف إثباته من الجهة الثّانية ؛ فإنّه يرفع موضوع التّشريع.
وبالجملة : الفرق بينهما لا يكاد أن يخفى على جاهل فضلا عن عالم.
* * *