__________________
قال مثلا جعلت العمل الفلاني سببا لطول العمر فليس يلزم أن يكون ذاك العمل مطلوبا مأمورا به ، بل يمكن أن يكون بلا حكم بالمرّة ، كما لا يلزم أن يكون التكليف مستعقبا للوضع كأغلب المحرّمات فإنّها لا ينتزع منها وضع أصلا.
إذا تمهّد ذلك فنقول : إنّ المسألة ذات قولين واستدل المثبتون بوجوه :
الأوّل : الأصل.
فنقول : الأصل موافق لقول المثبتين لا بمعنى أنّ الأصل فيما لو دار الأمر بين إمتناع شيء وإمكانه هو الامكان كما قد يسند إلى الشيخ الرئيس ابن سينا لقوله : كلّ ما قرع سمعك من الأكوان ولم يذده قاطع البرهان فذره في بقعة الامكان ، لأنه كلام فاسد ، فإنّ الحكم بإمكان الشيء كالحكم بوجوبه أو امتناعه يحتاج إلى دليل ، فما دام عدم الدليل يكون مجهولا فكيف يمكن الحكم بامكانه؟ وقد مرّ فيما يتعلّق بامكان التعبّد بالظن في أوّل رسالة الظن ما يوضّح هذا المطلب وأنّ مراد ابن سينا من قوله : فذره في بقعة الامكان هو الاحتمال وعدم ردّ المطلب بمجرد عدم الدليل عليه ، ولا يحمل كلام مثل هذا الحكيم الفيلسوف على ما هو بديهي الفساد ، بل بمعنى أنّ العمل على طبق قول المثبت ، فلو ورد خطاب من الشرع بلسان الوضع بحسب ظاهر الدليل نحمله على ظاهره ولا نرفع اليد عن هذا الظاهر بمجرد عدم العلم بكونه ممكنا أو ممتنعا غير معقول ، بل نكتفي باحتمال كونه ممكنا ومعقولا ونعمل على ما يقتضي ذلك الظاهر حتى يثبت إمتناعه ، فإن قام البرهان على امتناعه فحينئذ نرفع اليد عن الظاهر ونأوّله إلى ما يكون ممكنا معقولا ، وهذا يكون بناء مذاهب المسلمين في المسائل الكلامية فإنّ جملة من المطالب الواردة في شرعنا في ظواهر الكتاب والسنّة من كيفيات الحشر والنشر والميزان والحساب والصراط والمعراج والمعاد الجسمانيين إلى غير ذلك محل الشك والتأمّل في إمكانه أو امتناعه ، إلاّ أنّ بناء المسلمين على الإعتقاد بما يفهم من ظواهر الآيات والأخبار إلاّ فيما عليم عدم إمكانه فيتكلّفون حينئذ التأويلات ولو كانت