__________________
وإنّما الإشكال والنّزاع في استقلال الوضع بالجعل بمعنى صلاحيته كالتّكليف في التّسبب بإنشائه إلى جعله وتحقّقه ، بحيث يصدق مفهومه عليه بحمل الشّائع ، فالشّيء الّذي لا يكون سببا أو شرطا أو جزءا في نفسه صار كذلك بمجرّد إنشاء السّببيّة أو الشرطيّة أو الجزئيّة له ، بحيث يصدق عليه بذاك الحمل انّه كذلك كما كان الشّيء بمجرّد إنشاء إيجابه يصير واجبا حقيقة بذاك الحمل.
والتّحقيق حسبما يؤدّي إليه النّظر الدّقيق : أنّ الوضع على أنحاء :
منها : ما لا يقبل الجعل أصلا ، لا أصالة ولا تبعا مثل سببيّة شيء مطلقا أو شرطيّته للتّكليف ، أو مانعيّته عنه.
ومنها : ما لا يقبله إلاّ تبعا كالشّرطيّة والجزئيّة والمانعيّة للمكلّف به.
ومنها : ما يقبله أصالة وتبعا كالملكيّة والولاية والوكالة ونحوها.
أمّا عدم قبول النّحو الأوّل له فلأنّ ملاك سببيّة شيء لشيء إنّما هو خصوصيّة فيه موجبة لربط خاص بينهما يوجب تخصيصه بتأثيره فيه لا يكاد أن يؤثّر فيه بدونه ، وإلاّ فلا بدّ أن يؤثّر في كلّ شيء ، بل كلّ شيء في كلّ شيء وإلاّ يلزم الاختصاص بلا مخصّص كما لا يخفى ، فما ليس فيه تلك الخصوصيّة الموجبة لذلك « لا يكون سببا بمجرّد إنشاء السّببيّة له ، بداهة أنّ مجرّد إنشائها لا يؤثر إحداث تلك الخصوصيّة فيه ، ضرورة عدم خصوصيّة فيه موجبة لربط خاص بينه وبينها كي يكون محدثة لها كما لا يخفي.
ومن هنا ظهر أنّه لا يتفاوت في ذلك بين كون الجاعل هو القادر تعالى أو غيره ، إذ ليس الكلام في الإيجاد والتّكوين ، بل في الجعل والتّشريع ، وانّ مجرّد قول المولى هذا سبب إنشاء وقصد حصول معناه به يؤثّر في حصوله ، وتحقّقه من دون أن يوجد فيه خصوصيّة مقتضية لذلك ، بل كان باقيا على ما كان بلا زيادة ونقصان. ومن الواضح أنّ القادر تعالى وغيره فيه سيّان.