نعم ، مقتضى تدوينهم للمسألة في الأصول كونها من مسائله لكنّه لا يعارض ما عرفت ؛ لكون التّدوين أمارة ظنيّة لا يقبل المعارضة للوجهين سيّما الثاني. ومن هنا ذكروا : أنّ تمايز العلوم بتمايز موضوعاتها ؛ فإنّه كثيرا ما يتسامح في التّعريف ، مضافا إلى كون تدوينهم لها في الأصول ـ عند القائل بها من جهة الأخبار ـ من جهة مجرّد التّبعيّة على ما عرفت الإشارة إليه. ومن هنا خالفهم بعض المحقّقين مثل المحقّق الخوانساري فعنون المسألة في الفقه (١).
ومن هنا يظهر : أنّ تصريح بعضهم بكونها من مسائل الأصول ـ مضافا إلى عدم الجدوى في شهادة بعض أهل الفنّ ـ لا يفيد شيئا بعد احتمال ابتنائه على كون التكلّم فيها من جهة العقل.
نعم ، عجز العامي عن إعماله في الشّبهة الحكميّة على ما هو محلّ الكلام ربّما يقتضي الوجه الثّاني ؛ حيث إنّها لو كانت من مسائل الفقه لزم تسوية المجتهد والعامي في العمل به بعد الاستنباط كما هو شأن جميع المسائل الفقهيّة المتعلّقة بأفعال المكلّفين ، وأمّا عجز العامي عن إعماله فلا شبهة فيه ؛ حيث إنّه مشروط بالفحص الّذي لا يتمكّن العامي منه ، وهذا من خواصّ المسألة الأصوليّة ؛ فإنّها لما مهّدت للاستنباط فلا حظّ لغير المستنبط فيها ، فكلّ حكم يستنبطه المجتهد من الأدلّة ـ بإعمال ما أثبته في الأصول ـ : إن كان بعد الاستنباط : يشترك فيه المجتهد والعامي فهو حكم فرعيّ فقهي ، وكلّ حكم يختصّ بالمجتهد بعد الاستنباط فهو حكم أصولي لا محالة ، والاستصحاب من القسم الثّاني.
__________________
(١) مشارق الشموس في شرح الدروس : ٧٦.