أصلا : من حيث كون الخطاب الملقى إليهم في زمان الحاجة إلى العمل بالحكم في الواقعة نظير بيان المجتهد للعامي في مقام العمل.
والحاصل : أنّا لا ننكر وجود التّقليد في أعصار الأئمّة عليهمالسلام ؛ فإنّه من الواضحات الّتي لا ينكرها إلاّ المعاند ، كيف؟ والأخبار التي وردت في باب التقليد وردت في حقّهم ، مضافا إلى قيام الإجماع ودلالة الكتاب العزيز عليه كآيتي « النّفر » (١) و « السّؤال » (٢) ونحوهما ، إلاّ أنّ مدار الأحكام في حقّ العوام في تلك الأزمان لم يكن منحصرا في التّقليد كزماننا ، بل لهم : أن يعملوا بالرّوايات كما يكشف عنه ما ورد في كتب بني فضال ، وأضرابهم ممّن كان على الحقّ فعدل عنه ، بل هذا أيضا واضح بل أوضح ، لا ينكره إلاّ معاند.
وهذا الوجه كما ترى ، وإن اقتضى دخول المسألة في علم الأصول ، إلاّ أنّه يتوجّه عليه ـ مضافا إلى النّقض بالقواعد الفقهيّة المسلّمة كقاعدة الحلّية ، والطّهارة ، وأمثالهما في الشّبهات الحكميّة ؛ حيث إنّ كونها من مسائل الفقه من المسلّمات ، مع أنّه لا يتمكّن العامي من الأخذ بها من حيث اشتراطها بالفحص المتعذر منه ـ : بأنّه لا يصلح للمعارضة ؛ لما ذكرنا من الوجه المقتضي لكونها من مسائل علم الفقه ؛ فإنّك قد عرفت : أنّ الرّجوع إلى موضوع العلوم في باب التّميز مقدّم على الموازين ، فلا بدّ من القول بكون ما ذكر من اللاّزم لازما غالبيّا لأغلب المسائل الفقهيّة ، لا لنفس المسألة الفقهيّة كيف ما كانت حتّى ما كان من القواعد الكليّة الظّاهرة المتوقّفة على الفحص ، فتدبّر.
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.
(٢) النحل : ٤٣.