فإنّه إن كان ابتناء الحكم الشّرعي على الحكم العقلي وتطابقهما مانعا عن جريان الاستصحاب بناء على الشّبهة الّتي عرفت اندفاعها ، فلا معنى للفرق بينهما ؛ إذ كما يمكن ارتفاع الحسن الثّابت في العقل مثلا ثبوتا ثانويّا بارتفاع الوجه الّذي هو الموضوع الأوّلي له الصّادق على الفعل ، كذلك يمكن ارتفاعه على القول بكونه ذاتيّا بالمعنى المذكور بواسطة وجود المانع والمزاحم.
وإن لم يكن ابتناء الحكم الشّرعي على العقلي مانعا ، فلا معنى للفرق بينهما أيضا كما لا يخفى هذا.
وقد يقال : إنّ القول بتبعيّتهما للاعتبار أوضح في المانعيّة فتأمّل.
مع أنّ إطلاق القول بتبعيّة الحسن والقبح للوجوه والاعتبار ممّا لا معنى له ـ كما أوضحنا القول فيه فيما كتبناه في سالف الزّمان في مسألة التّحسين والتّقبيح العقليّين وقد أشرنا إليه في الجزء الأوّل من التّعليقة عند التّكلّم في مسألة التّجري (١) ـ مع أنّه لو كان مانعا لمنع من استصحاب عدم النّسخ في هذه الشّريعة أيضا.
وبالجملة : ابتناء الاستصحاب على مسألة التّحسين والتّقبيح العقليّين والأقوال في كيفيّة ثبوتها للأفعال ممّا لا معنى له جزما.
ثمّ إنّ هنا وجهين آخرين للقول بعدم حجيّة الاستصحاب بالنّسبة إلى الحكم الثّابت في الشّريعة.
الأوّل : أنّه لو جرى الاستصحاب في أحكام الشّريعة السّابقة ، لوجب الفحص عن حكمها في كلّ مسألة من المسائل بالرّجوع إلى الكتب المنزلة على
__________________
(١) بحر الفوائد : ج ١ / ٢٢.