وهذا معنى ما تقرّر عند العدليّة : أنّ الواجبات السّمعيّة بأسرها لطف في الواجبات العقليّة ؛ من حيث إنّ فعلها من جهة ما يترتّب عليها يوجب القرب إلى فعل المحسّنات العقليّة وترك المقبّحات العقليّة كما قضى به قوله جلّ شأنه وعزّ اسمه : إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ (١).
وبما عرفت : ينبغي أن يفسّر القضيّة المعروفة ، لا بما قد يرتكبه المتعسّف الخالي عن التّأمّل : من أنّ معناها كون فعل الواجبات السّمعيّة موجبة للوصول إلى ما فيها من المصالح المقتضية لإيجاب الشارع الفعل بحكم العقل من باب كونه حكيما لطيفا ؛ إذ نفس ما في الفعل ليس طاعة ومعصية حتّى يكون الفعل المحصّل له لطفا ، مع أنّ معنى اللّطف هو القرب لا الوصول كما لا يخفى.
فإن قلت : كيف يجامع هذا المعنى مع قوله تعالى : أخيرا : يُقِيمُوا الصَّلاةَ (٢) الآية مع أنّ إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة ليستا من الواجبات العقليّة؟ على أنّ المقصود من الآية هو الإخبار عن كونهم مأمورين بها لا كونها فائدة للأمر بواجباتهم.
قلت : أوّلا : يمكن القول بكون الصّلاة واجبا عقليّا لما فيها من التّضمّن لشكر المنعم فتدبّر.
وثانيا : أنّه ليس اللّازم فيما ذكرنا كون فعل الواجب أوّلا وبالذّات موجبا للقرب إلى الواجب العقلي ، بل يكفي فيه مجرّد إيجابه القرب إليه ولو بواسطة
__________________
(١) العنكبوت : ٤٥.
(٢) البيّنة : ٥.