الكلام هنا أيضا لعلّه يرفع به الغبار عن وجه المرام فنقول :
إنّه ذكر جماعة من المتأخّرين : أنّه لا إشكال في إمكان الجمع بين القاعدتين ح فإنّهما وإن اختلفتا في كون المقصود في إحداهما الحكم بالحدوث ، وفي الأخرى الحكم بالبقاء ، وفي كون المناط في إحداهما سبق اليقين بشيء في زمان ولحوق الشّك بنفس ما تعلّق به اليقين ، وفي الأخرى وجود الشّيء سابقا والشّك في بقائه ، إلّا أنّ بينهما قدر مشترك يمكن بإرادته إرادتهما ، سواء اعتبر بالنّسبة إلى ما دلّ على عدم الاعتداد بالشّك في قبال اليقين ، أو عدم نقضه بالشّك ، أو وجوب المضي عليه عند الشّك ح فإنّ كون اللّازم من هذا في بعض الموارد الحكم بالحدوث ، كما إذا سرى الشّك إلى نفس ما تعلّق به اليقين ، وفي بعض آخر الحكم بالبقاء كما إذا تعلّق الشّك بالوجود الثّانوي للشّيء مع كون حدوثه يقينيّا في زمان الشّك أيضا لا يوجب عدم الجامع بينهما : فإنّ هذا الاختلاف إنّما حدث بملاحظة خصوص المورد من غير أن يكون مرادا من اللّفظ ، فعدم الاعتداد بالشّك في كلّ شيء ، وكذلك عدم نقض اليقين بشيء بالشّك فيه ، وكذلك المضي ، والجري على مقتضى اليقين المتعلّق بكلّ شيء إنّما هو بحسبه ، فأصل المعنى الّذي استعمل اللّفظ فيه أمر وجداني لا تكثير فيه ، وإنّما جاء الاختلاف من خصوص النّسبة كما يقال إنّ الصّحة في كلّ شيء بحسبه مثلا هذا (١).
__________________
(١) انظر مفاتيح الأصول : ٦٥٧ ، وضوابط الأصول : ٣٧١ ، وخزائن الدربندي : ٨٥ من فنّ الاستصحاب.