وهذا بخلاف المعنى الثّالث ؛ فإنّ المقصود منه ليس إلّا الحكم بصحّة ما يترتّب سابقا على المتيقّن من الأحكام والآثار ، وأمّا الحكم بحدوث المشكوك بحيث يترتّب عليه ما رتّب شرعا عليه في الزّمان اللّاحق فلا ، فهذه المعاني كما ترى مترتّبة بحسب العموم والخصوص ؛ لأنّ كلّ لا حق أخصّ من سابقه (١).
(٣٢٣) قوله : ( فإن أريد الأوّل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣١١ )
أقول : قد يورد عليه : بأنّه إذا فرض عدم إمكان الجمع بين الحكم بالبقاء والحدوث فكيف يستظهر عدم الدّليل عليه؟ بل ينبغي القطع بعدم إمكان قيام دليل عليه.
ولكنّك خبير بإمكان التّفصّي عن هذا الإيراد : بأنّ عدم إمكان الجمع بين إرادتهما من كلام واحد وإنشاء واحد لا ينافي الحكم بثبوت المعنيين ، فقيام الدّليلين عليهما أحدهما : يدلّ على وجوب الحكم بالحدوث. ثانيهما : يدلّ على لزوم الحكم بالبقاء كما لا يخفى.
(٣٢٤) قوله : ( لكنّه لا يتمّ إلّا على الأصل المثبت ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣١١ )
أقول : لا يخفى عليك أنّ إثبات البقاء ظاهرا بإثبات الحدوث كذلك من الأصل المثبت ؛ فإن ترتّب البقاء على الحدوث على تقدير ثبوته ليس من أحكامه الشّرعيّة ، والأصل المثبت ليس مختصّا بالاستصحاب ، بل كلّ أصل يراد به إثبات
__________________
(١) وعلّق عليه الفاضل الكرماني الشيخ رحمة الله رحمهالله قائلا :
« ينبغي أن يراد من زمان الحدوث زمان اليقين ولو طال بعد الحدوث ومن زمان البقاء زمان حصول الشك ولا يكاد يخفى وجهه على من له لبّ غير مشوب فافتهم » إنتهى.
أنظر الفرائد المحشّي : ٤٠٦.