وأمّا الثّالث ؛ فلأنّه مفهوم منتزع من الخصوصيّتين لا يمكن تعلّق الحكم به بعد عدم إمكان تعلّقه بهما وخروجهما عن العموم كما هو ظاهر ، فلا يقاس المقام بموارد التّخير الواقعي أو الظّاهري الشّرعيّين ؛ فإنّ كلّا من الخصوصيّتين في موارد التّخيير قابل لتعلّق الحكم الشّرعي به بل الواقع ذلك ؛ حيث إنّ الحكم في موارد التّخيير متعلّق عند التّحقيق بنفس الأفراد والخصوصيّات لا بالمفهوم المنتزع منها من حيث هذا المفهوم.
فإن قلت : لم لا تجعل عموم قوله عليهالسلام : ( لا تنقض اليقين بالشّك ) (١) بالنّسبة إلى الأفراد المزاحمة المتعارضة من الاستصحاب ، نظير : أنقذ كلّ غريق ، وأكرم كلّ عالم ، ونحوهما فيما اتّفق عدم قدرة المكلّف على امتثال الخطاب التّعييني بالنّسبة إلى فردين من هذا العنوان العام مع قدرته على امتثاله بالنّسبة إلى أحدهما بشرط الانفراد؟ وكذلك قوله : صدق كلّ خبر عدل مع فرض تعارض فردين من خبر العدل؟ ومن هنا ذكروا : أنّ الحكم في تزاحم الواجبات الشّرعيّة مع عدم أهميّة بعضها التّخيير وكذا الأصل في تعارض الخبرين مع عدم التّرجيح بينهما التّخيير
__________________
(١) لم نجدها بهذا التعبير في الجوامع الحديثية المعتبرة ، نعم وردت في الكافي الشريف : ج ٣ / ٣٥٢ باب « السهو في الثلاث والأربع » ـ ح ٣ هكذا « ... ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ... » ، والفقيه : ج ١ / ٦٠ ـ ح ١٣٦ « ... فلا ينقض اليقين بالشك ... » ، والاستبصار : ج ١ / ١٨٣ باب « الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل أن يعلم ... » ـ ح ١٣ وفيه : « فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا ... » وكذلك التهذيب : ج ١ / ٤٢٢ باب « تطهير البدن والصياب من النجاسات » ـ ح ٨ ، انظر الوسائل : ج ٣ / ٤٦٦ باب « ان كل شىّ طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه » ـ ح ١.