العلم بإتيان الواجب لا على عدم إتيانه في الواقع ، مضافا إلى كونه من الآثار العقليّة لا الشّرعيّة.
نعم ، لو قلنا باعتبار الأصول المثبتة أمكن إثبات وجوب الطّرف الباقي بالوجوب الشّرعي ولا يقدح فيه كون الحاكم بوجوب الإتيان بعد إثباته أيضا العقل ؛ لأنّ الحكم الشّرعي الثّابت بالاستصحاب يترتّب عليه جميع آثاره من العقليّة والشّرعيّة وغيرهما حسب ما ستقف على تفصيل القول فيه إن شاء الله تعالى.
وبالجملة : البراءة والاشتغال قد يراد بهما حكم العقل فلا يمكن إجراء الاستصحاب فيهما ، وقد يراد بهما عدم التّكليف الواقعي وعدم سقوطه في الواقع فحالهما حينئذ حال سائر الموضوعات والأمور الّتي يراد استصحابها ، فإن ترتّب عليهما حكم شرعيّ فهو ، وإلّا فلا معنى لاستصحابهما سواء كان من جهة ترتيب الحكم على ما هو موجود في صورة الشّك قطعا ، أو من جهة كونه أثرا غير شرعيّ.
والّذي ظهر لي بالتتبّع في كلماتهم كون مرادهم من استصحابي البراءة والاشتغال هو المعنى الثّاني لهما مع إرادتهم لترتيب ما هو مترتّب على العنوان الأعمّ من المؤاخذة على تقدير المصادفة في الثّاني وعدمها على تقدير ثبوت التّكليف في الأوّل ، فيتوجّه عليهم حينئذ ما عرفت : من عدم جريانه أيضا وإن كان المستصحب لا دخل له بالعقل.
وممّا ذكرنا كلّه ظهر لك : أنّ ما ربّما يستفاد من كلام الأستاذ العلّامة : من عدم الحاجة إلى استصحابي البراءة والاشتغال المشعر بتسلّم جريانهما والغناء عنهما ليس في محلّه ، كما أنّه ظهر لك : أنّ ذكر استصحاب البراءة والاشتغال في المقام إنّما هو على تقدير كون المراد بهما المعنى الأوّل لا الثّاني والله العالم.