أقول : لعلّ المراد هو الشّكّ البدوي ، وإلّا فقد عرفت : أن الشّك في حكم العقل غير متصوّر في مورد من الموارد حتّى في المثالين الأوّلين ؛ لأنّ العقل إمّا يحكم بقبح الأوّل وحسن الثّاني مطلقا ، أو يحكم بهما بشرط عدم الاضطرار والخوف. وعلى كلّ تقدير لا معنى للشّك كما هو ظاهر ، والقول : بأنّه يحكم بهما في الجملة ، والمتيقّن منه ما لم يكن هناك خوف واضطرار ، قد عرفت فساده بما لا مزيد عليه ، وأنّه لا يتصوّر الإهمال في موضوع الحكم في نظر الحاكم.
نعم ، قد يتصوّر الشّك في الحكم الشّرعي في المثالين : من جهة الشّكّ في عروض ما يرتفع معه موضوع الحكم حقيقة كالاضطرار مثلا ، لكنّه لا تعلّق له بالشّك في حكم العقل ، بل ولا في حكم الشارع في موضوعه ، وهكذا الحال في المثال الثّالث ؛ فإنّه لا يخلو : إمّا أن يقول : بأنّ الشّرط في تنجّز التّكليف عند العقل هو العلم التّفصيلي بحيث يكون دائرا مداره ، ففي صورة عدم حصوله لا معنى لتنجّز التّكليف سواء كان هناك علم إجمالي أو لا ، أو يقول : بأنّ الشّرط فيه عنده هو الأعمّ من العلم الإجمالي والتّفصيلي حسب ما هو قضيّة التّحقيق ، فلا يعقل شكّ في بقاء الشّرطيّة على كلّ تقدير.
نعم ، ربّما يستصحب نفس التّكليف المعلوم بالإجمال بعد الإتيان ببعض أطراف العلم الإجمالي ، ولكنّه لا دخل له بالاستصحاب في الحكم العقلي ؛ لأنّه استصحاب في الحكم الشّرعي ، مع أنّك قد عرفت : عدم جريانه أيضا على بعض التّقادير والوجوه.
__________________
البراءة والإشتغال ولا معنى للتعويل على الإستصحاب إلّا ذلك وقد أوضحنا الحال فيه فيما مرّ » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.