المفترس في ذهن السامع ، فذلك قهري على المتكلّم لا يمكنه التصرف فيه. هذا حال أوائل الاستعمالات ، وأما بعد الكثرة على السامع فلربّما انقلب تصوّره من مجرّد سماع لفظ الأسد الحيوان المفترس إلى تصور الرجل الشجاع ، وأمّا المتكلّم فهو بعد تلك الكثرة واطلاعه على ما صار إليه الحال في ناحية السامع من ذلك الخطور الذهني لا يحتاج إلى الاستعانة في إفهام مراده من لفظ أسد إلى إلحاق قوله يرمي ، بل يكون صدور نفس ذلك اللفظ منه كافيا في إحضار الرجل الشجاع في ذهن السامع وإفهام السامع أنّه يريد الرجل الشجاع لا الحيوان المفترس.
وحينئذ ينحصر الإشكال في الصورة الثالثة بما في الكفاية من إنكار العلاقة ، ولا يتوجّه عليها إشكال الانقلاب كما لا يتوجّه على الصورة الرابعة ، وعلى كلّ حال أنّ حصول الحقيقة في الصورة الرابعة لا غبار عليه لا من ناحية عدم العلاقة ولا من ناحية إشكال عدم الانقلاب. أمّا الصورة الثالثة فهي مع قطع النظر عن إشكال الكفاية من ناحية عدم العلاقة ، ومع قطع النظر عن الوضع الاستعمالي أعني الصورة الثانية ، بمعنى أنّا نبني على عدم حصول الوضع الابتدائي (١) وعدم حصول الوضع الاستعمالي (٢) ، ومع ذلك نرى الشارع قد استعمل هذه الألفاظ ، وحينئذ يكاد يحصل لنا القطع بأنّ الشارع لم يكن استعماله مبنيّا على العناية والتجوّز ، بل هو على تقدير كونه غير مسبوق بوضعها ولو بأول استعمال ، لا يكون إلاّ من باب استعمال المطلق أعني الدعاء أو الانعطاف في معناه الأصلي مع الدلالة على تقييده بباقي الأجزاء والشرائط بدال آخر ، ويكون نظير قوله : اعتق رقبة مؤمنة في
__________________
(١) [ في الأصل : الابتداء ، والصحيح ما أثبتناه ].
(٢) [ في الأصل : الاستعمال ، والصحيح ما أثبتناه ].