ولا يخفى أنّ اللفظ في حال الاستعمال لا يكون حاله إلاّ حاله حين الوضع ولو بالوضع الابتدائي (١) الجعلي ، فكما أنّ الموضوع ليس هو شخص لفظ الإنسان في قوله : وضعت لفظ الإنسان للحيوان الناطق ، وإنّما الكلّي المتحقّق في ذلك اللفظ المشتمل عليه هذا القول ، فكذلك اللفظ حين الاستعمال فإنّه إعمال اللفظ فيما وضع له ، والمفروض أنّ الموضوع هو الكلّي ، وأنّ إرادة المستعمل إنّما تتعلّق بإيجاد الكلّي الموضوع ، وإنما يوجد الكلّي ، غايته أنّه بعد وجوده يكون شخصيّا ، والنظر الآلي إنّما هو في مرتبة وجوده لا ما يكون بعد وجوده ، والمفروض أنّ تشخصه إنّما يكون بعد الوجود ، فلا فرق بين النظر في مقام الاستعمال والنظر في مقام الوضع في كون تعلقهما بالفرد بما أنّه كلّي فلاحظ. بل يمكن القول بأن العكس أقرب ، وإن كان كالأصل بعيدا من الصواب. نعم يزيدني إشكالا آخر وهو لزوم كون اللفظ منظورا إليه بشخصه وكونه منظورا إليه بما أنه مصداق للطبيعة ، والنظران متنافيان.
ولا يخفى أنّ إشكال تعدّد اللحاظ إنّما هو في استعمال اللفظ في المعنى بقصده وضعه له ليكون الوضع حاصلا بالاستعمال ، أمّا لو قلنا بأنّ الوضع هو التعهد ، أو أنّه من فعل النفس وأنّ مظهره هو الاستعمال ، فلا موقع حينئذ للإشكال بتعدد اللحاظ في اللفظ ، إذ لا يكون الوضع حاصلا بالاستعمال ، وإنّما هو حاصل بالتعهّد أو بفعل النفس وذلك سابق على الاستعمال ، ولا يكون ذلك الاستعمال إلاّ كاشفا عنه كشف المعلول عن علّته ، لكن ذلك إنّما هو لو أخذنا الوضع من مقولة التعهّد والبناء ، أمّا لو
__________________
(١) [ في الأصل : الابتداء ، والصحيح ما أثبتناه ].