أخذناه من مقولة فعل النفس وأنّه يحتاج الى كاشف ومبرز وذلك الكاشف والمبرز هو الجعل ، فلا ريب أنّ ذلك الجعل الكاشف والمبرز يكون لازمه النظر الاستقلالي الى اللفظ ، فلو أبرزنا ذلك الفعل النفساني بالاستعمال توجّه فيه إشكال تعدّد اللحاظ.
نعم ، إنّ ذلك كلّه خلاف الفرض ، لأنّ الفرض هو حصول الوضع بالاستعمال ، وأنّه من مقولة القصد والإنشاء ، ليكون ما نحن فيه نظير التمليك فإنّه بناء عليه لا محيص من توجه الإشكال المزبور. نعم لو قلنا إنّ الوضع حاصل قهرا بذلك الاستعمال وإن لم يكن المستعمل قاصدا بذلك الاستعمال في المعنى وضع اللفظ لذلك المعنى ، لم يتوجّه الاشكال المزبور.
أمّا دعوى إمكان اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي بالنسبة إلى اللفظ المستعمل في المعنى ، ببرهان أنّه ربما انضم إلى قصد المستعمل الذي جعل اللفظ آلة في إحضار المعنى قصد آخر ، بأن كان غرضه من أمر عبده بإحضار الماء هو إسماع من في خارج الحجرة صوته أو إفهام السامع أنّه حيّ لا ميت أو مستيقظ لا نائم أو أنّه مفيق لا مغمى عليه ، إلى غير ذلك من الغايات المترتبة على صدور الكلام من المتكلّم ، ومنه إفهام الحاضر أو إفهام نفس المأمور بأنّه عارف بهذه اللغة التي تكلّم بها ، وحينئذ فيجتمع في ذلك اللفظ اللحاظان.
ففيها ما لا يخفى ؛ للفرق الواضح بين المقامين ، فإنّ هذه الغايات مترتبة على إعمال اللفظ في معناه ، فلا يكون ترتبها على ذلك الاعمال موجبا لكون اللفظ منظورا إليه مستقلا ، فإن فهم السامع أنّ المتكلّم مستيقظ ، أو أنّ المتكلّم عارف باللغة العربيّة لكونه قد أعمل اللفظ العربي