المعنى الأخير غير مناسب للمعنى الحقيقي وكان مناسبا للمعنى المجازي فقط ، فحينئذ نحتاج إلى جعله مجازا عن المجاز ، وأمّا إذا كان المعنى الأخير مع كونه مناسبا للمعنى المجازي مناسبا أيضا للمعنى الحقيقي فلا حاجة إلى جعله مجازا عن المجاز بل نجعله مجازا عن المعنى الحقيقي ، غاية الأمر أنّه يكون مجازا ثانيا لا ينتقل إليه إلاّ مع القرينة على عدم إرادة المعنى الحقيقي والمعنى المجازي الأول ، وقد أشار في الكفاية إلى ذلك بقوله : بمعنى أنّ أيهما قد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني اللغوية ابتداء ، إلخ ، فإنّ الظاهر منه أنّ العلاقة موجودة بين المعاني اللغوية وبين كلا المعنيين لكنّها قد اعتبرت في أحدهما أوّلا.
إن قلت : إذا كان المعنى المجازي الأخير مناسبا للمعنى اللغوي وهو مجاز عنه كالمجاز الأوّل ، فلم يكون الانتقال بمجرّد وجود القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي إلى المجاز الأوّل ، ولا ينتقل إلى الثاني إلاّ مع وجود قرينة تدلّ على إرادته.
قلت : إنما يكون ذلك لكون المجاز الثاني تابعا للأوّل وإن كانت مجازيته عن المعنى الحقيقي. وبالجملة : أن كون المجاز الثاني تابعا للأول ومتفرعا عليه أوجب ذلك الانتقال ، وكون مجازيته عن المعنى الحقيقي يوجب عدم كونه من سبك المجاز عن مجاز ، ولا تنافي بين المطلبين.
ولكن لا يخفى أنّه إذا كان المجاز الثاني كالمجاز الأوّل مناسبا للمعنى الحقيقي ، فلا وجه لجعل أحدهما أوّلا والآخر ثانيا ، وإلى ذلك أشار في الكفاية بقوله : وأنت خبير ... إلخ (١) ، مع أنّ مجرّد كون أحدهما أوّلا
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٣.