والآخر ثانيا لا يوجب الانتقال إلى الأوّل بمجرد وجود القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي ، وإلى ذلك أشار في الكفاية بقوله : وأنّ بناء الشارع ، إلخ (١).
اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الصحيح لمّا كان هو المطلوب والمراد ، ففي مقام الاستعمال يكون هو المعتبر أوّلا ، فبعد العلم بعدم إرادة المعنى الحقيقي يحكم بكونه هو المراد ما لم يكن قرينة على خلافه. ولكن هذا إنّما يتمّ على القول بالصحيح فانّه هو مطلوب الشارع دون القول بالأعم.
ويمكن أن يدّعى أنّ المنشأ في كون أحد المجازين مجازا أوّلا والآخر ثانيا هو كون الأوّل أقرب إلى المعنى الحقيقي ، فالنزاع في الحقيقة يكون في أنّ أيّهما هو الأقرب إلى المعنى الحقيقي والأنسب به كي ينتقل إليه بمجرد وجود القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي. ولكن لا يخفى أنّ كلا من القائل بالصحيح والقائل بالأعم لا يمكنه إثبات القرب فيما يدعيه.
هذا حاصل ما يرد على التوجيه المذكور في الكفاية ، وهو الذي اختاره في تقريرات الشيخ قدسسره (٢) وأجاب عما يلزم ذلك من سبك المجاز عن المجاز ، بأنه ليس من هذا القبيل ، بل غاية ما في ذلك أن المعنى المجازي الأول هل هو خصوص الصحيح ثم توسّع في تعميمه أو هو الأعم ثم توسع في تخصيصه ، كذا نقل عنه بعض أساتذتنا على ما في تقريراتي عنه.
ولكن لا يخفى أن هذا الجواب لا يدفع الاشكال المزبور ، حيث إنّ المجاز هو عين التوسع ، فاذا فرض أنّه وقع التوسع في المجاز فقد فرض
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٣.
(٢) مطارح الأنظار ١ : ٣٣.