الجري ، كل ذلك صحيح والمقصود واحد واضح. وليس التعبير الأخير راجعا إلى دخول الزمان في دلالة المشتق كي يتأبّى عنه من جهة عدم دلالته على الزمان ، فان دلالته على المقارنة بين زمان التلبس وزمان الجري غير دلالته على زمان التلبس ، وذلك واضح.
والحاصل : أن كلا من التلبس والجري حادث من الحوادث لا بدّ له من زمان يقع فيه. ولو قلنا إنّه لا بد من المقارنة بين التلبس والجري كان لازمه أو عينه الاقتران بين الحالتين أو الاقتران بين الزمانين ، وأين هذا من دعوى كون المشتق دالا على زمان التلبس أعني زمان وقوع الحدث التي هي كدعوى دلالة الفعل على زمان وقوع الحدث وأنه الزمان الماضي أو الزمان الحالي أو الزمان المستقبل ، هذا.
ولكن لا يخفى أنّ تحوير النزاع إلى ما ذكرناه من اعتبار المقارنة بين الجري والتلبس ، وأنه لو جرى المشتق على الذات في حال تلبسها بالمبدإ يكون الاستعمال حقيقيا ، ولو جرى عليها قبل تلبسها به يكون مجازا بلا إشكال ، وأنّ محل النزاع ما لو جرى عليها بعد انقضاء تلبسها به هل هو حقيقة أو مجاز ، ممّا لا يمكن الالتزام به ، فإنّ جري المشتق على الذات ممّا لا يتصف بالحقيقة والمجاز وإنّما يتصف بالصدق والكذب ، حيث إنّ الجري إنّما هو الحمل سواء كان صريحا كأن تقول : زيد ضارب ، أو كان ضمنيا بأن تقول : جاءني الضارب وتعني به زيدا.
والأوجه هو ما عرفت الاشارة إليه فيما تقدم (١) في مسألة اسم الزمان ، من أنّ صحة الجري وعدمه متفرع عن سعة المفهوم وضيقه كما هو الحال
__________________
(١) في صفحة : ٢٤١.