فيه : هو أنّهم قسّموا المجاز إلى قسمين ، الأول : المجاز في الاسناد وسمّوه المجاز العقلي ، وهو إسناد الفعل ونحوه إلى غير من هو له لجهة مصحّحة لذلك الاسناد. وقد ذكروا هذا القسم في الباب الأول من علم المعاني وهو باب الاسناد الخبري ، وذلك مثل جرى النهر وسال الميزاب. والقسم الثاني هو المجاز في الكلمة وذكروه في علم البيان ، وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة مصحّحة لذلك ، والعلائق تسع أوّلها المشابهة.
ولا يخفى أنّ المشابهة المصحّحة للتجوّز على نحوين ، الأول : أن تشبّه شيئا بشيء وتحذف المشبّه به وتذكر المشبّه وتنسب إليه شيئا من لوازم المشبّه به ، ويسمى في اصطلاحهم بالاستعارة بالكناية ، مثل قولهم « أنشبت المنية أظفارها بفلان » فشبّهوا المنية بالأسد وحذفوه وذكروا شيئا من لوازمه وهو الأظفار ، ونسبوها إلى المنيّة. وعلى هذا يمكن أن يخرج باب المجاز العقلي الذي عبّروا عنه بالمجاز في الاسناد ، بأن نقول إنّه شبّه النهر بالماء أو أنه نزّل منزلته لكونه محلا له ، ثم حذفوا المشبّه به والمنزّل عليه وهو الماء ونسبوا إلى المنزّل والمشبّه الذي هو النهر شيئا من لوازم الماء الذي هو المشبّه به وذلك هو الجريان ، وبذلك ينسد باب المجاز العقلي ويعود إلى الاستعارة بالكناية.
أما المجاز في الكلمة فقد عرفت أنه مبني على العلاقة المصحّحة للتنزيل وأوّلها المشابهة وهي الاستعارة ، وهي عكس الاستعارة بالكناية ، فانّك في هذه تحذف المشبّه وهو زيد وتذكر المشبّه به وهو الأسد ، وتنسب إليه شيئا من لوازم المشبّه وهو الرمي ، فتقول : رأيت أسدا يرمي ، وتعني به زيدا ، وهذه هي المسماة بالاستعارة ، وقد عرفت مسلك السكاكي فيها وأنّ التجوّز عنده فيها إنما هو في الحمل والتطبيق لا في الاستعمال.