هذا المقام (١).
نعم عبّر في أول مبحث الصيغة (٢) عن ذلك بما محصله : هو أنّ الصيغة موضوعة لانشاء الطلب ، فان كان بداعي البعث والتحريك كان طلبا حقيقيا ، وإن لم يكن بذلك الداعي بل كان بداعي التهديد كان طلبا انشائيا فأخذ الداعي بمعنى العلة الغائية ، بخلاف الداعي فيما تقدم منه في مادة الأمر فإنّه أخذه بمعنى العلة الموجدة ، وكيف كان فهذا التعبير أهون من تعبيره في مادة الأمر (٣) من جعل الداعي على إنشاء الطلب في الطلب الحقيقي هو الطلب النفساني. نعم يرد عليه ما تقدم مما استفدناه من شيخنا قدسسره من عدم كون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب بل هي موضوعة لايقاع المادة على المكلف أعني البعث ، وأن المائز بين الطلب الجدي والصوري هو كون البعث بداعي الانبعاث وكونه لا بهذا الداعي.
ثم إن البعث والتحريك من أفعال الباعث والمحرّك الذي هو الطالب فلا يحسن التعبير بأخذه علة غائية وغرضا لفعله الذي هو الطلب الانشائي ، فإنّ الغرض من الفعل الذي هو علّة غائية له لا بد أن لا يكون مقدورا له ابتداء ولو بواسطة كونه عنوانا ثانويا ، فان ذلك الغرض لو كان مقدورا ابتداء بلا واسطة حتى مثل العنوان الأولي لم يكن حاجة في التوصل إليه إلى فعل شيء آخر ، بل يفعله الفاعل ابتداء من دون أن يعمد إلى فعل يترتب ذلك الغرض عليه ، ومن الواضح أن البعث والتحريك مقدور للآمر بلا واسطة ، لما عرفت من أن الصيغة آلة للبعث والتحريك ، فهو بايجاده لتلك الآلة
__________________
(١) كفاية الاصول : ٦٧.
(٢) كفاية الاصول : ٦٩.
(٣) كفاية الاصول : ٦٧.