نعم يمكن أن نقول : إنّ الارادة النفسانية المتعلقة بفعل المكلف تكون علّة لارادة المولى إنشاء الطلب المتعلق بذلك ، لا أنّها تكون ابتداء علة لنفس إنشاء الطلب إلا بنحو من المسامحة ، وحينئذ يكون صدور ذلك الفعل من المكلف أو انبعاثه إليه علة غائية لذلك الانشاء ، وتكون الارادة النفسانية المتعلقة بذلك الفعل علة لارادة ذلك الانشاء ، وبناء على ما ذكرناه من كون معنى الصيغة هو انشاء البعث ، فالأولى التعبير عن الغرض حينئذ بالانبعاث والحركة ليكون صدور الطلب الانشائي منه بداعي انبعاث المأمور وحركته نحو المأمور به ، فيرجع إلى ما ذكرناه ، غير أنّه جعل الفعل الانشائي الذي هو المغيى طلبا إنشائيا ، بخلاف ما ذكرناه فان الفعل الصادر من الآمر هو البعث وغايته هو الانبعاث ، وإذا كان صادرا بتلك الغاية كان طلبا حقيقيا ، وكان لازمه ثبوت صفة الطلب وقيامها بنفس الطالب.
قال قدسسره فيما حررته عنه : ولا يخفى أنّ تسمية هذه الامور بالدواعي إنّما هو بالنظر إلى حصولها بايقاع تلك النسبة الإلقائية في مقام أحد هذه الامور ، فإنّ إيقاع تلك النسبة في مقام بعث العبد وتحريكه يكون بعثا له على المادة وتحريكا له نحوها ، وذلك عين الطلب الذي تقدم أنّه عبارة عن كون الشخص بصدد تحصيل مراده ، فتسميته بالداعي على إيجاد الصيغة نظرا إلى كونه حاصلا بذلك إذا كان إيجادها في ذلك المقام ، فتكون الغاية من إلقاء الصيغة في ذلك المقام هو تحقق الطلب ، ومن الواضح أنّ الغاية المترتبة على صدور الشيء تكون داعيا وباعثا على صدوره ، وهكذا الحال في بقية هذه الدواعي ، لا أنّ هذه الامور تكون صفات نفسانية قائمة بالنفس ويكون قيامها بالنفس داعيا إلى إلقاء الصيغة كما يستفاد من الكفاية (١).
__________________
(١) كفاية الاصول : ٦٩ ـ ٧٠.