الوضعية والتكليفية هي من الأفعال الاختيارية للشارع ، فلا تصدر منه إلاّ بعد تعلق إرادته التكوينية بها كسائر أفعاله الاختيارية لا تصدر منه إلاّ بعد تعلق إرادته التكوينية بها ، وهذا جار في كل فاعل مختار ، لكن ذلك أعني تعلق الارادة التكوينية مطلب آخر غير ما نحن بصدده من كون المراد الشرعي متعلقا لارادة الشارع ، فلاحظ.
ومن ذلك كلّه يظهر لك التأمل فيما يقال من أن الانشاءات إبراز لما في صقع النفس ، فانّك قد عرفت أنه ليس في صقع نفس الآمر بالنسبة إلى الفعل المأمور به سوى العلم بالصلاح ، ولو كان في البين ميل أو حب أو شوق إلى ذلك الفعل فليس هو من سنخ الارادة ، ولو فرضنا أن هناك شيئا على طبق المنشأ ، وأنّ الانشاء الخارجي إبراز له ، كان اعتبار ذلك الانشاء طريقا صرفا إليه ، وكان ينبغي ترتيب الأثر عند العلم بما في صقع نفس الآمر وإن لم يدخل في صقع الانشاء.
أما في البيع ونحوه فليس في البين إلاّ تعلق الارادة التكوينية بجعله وخلقه في عالم الاعتبار بانشائه ، لا أن البائع يوجد البيع في صقع نفسه ثم يبرزه بالانشاء بقوله بعت ، وإلاّ لتحقق البيع بذلك وإن لم يدخل في صقع الانشاء ، إذ لا يكون الانشاء على هذا الوجه إلاّ مبرزا له وطريقا إلى تحققه في نفس البائع ، ولا يبعد أن تكون هذه الدعوى من شعب الكلام النفسي الذي تخيله الأشاعرة.
ثم إنّه يمكننا القول بأنّ تسمية الشوق المؤكد بالارادة التكوينية لا يخلو من تسامح ، إذ لا ريب في تحقق الشوق المؤكد وتعلقه بفعل الشخص نفسه أو بفعل الغير ، إلاّ أنه وحده لا يكفي في تحقق الفعل وصدوره حتى لو كان متعلقا بفعل نفسه ، بل لا بد من تحقق تلك المرتبة