الرابعة التي سمّاها شيخنا بالاختيار أو الطلب التي هي من أفعال النفس ، ونحن نقول : إن تلك المرتبة الرابعة هي الارادة التكوينية وليست هي عين الشوق المؤكد ، بل إنّها إنّما تتحقق بعد تحقق ذلك الشوق المؤكد فيما لو كان ذلك الشوق المؤكد من الشخص متعلقا بفعله الذي يمكنه أن يفعله ، أما ما لا يمكنه أن يفعله ولو من جهة كونه فعلا للغير صادرا عن ذلك الغير باختياره ، فلا يمكن أن يكون متعلقا لتلك المرتبة الرابعة ، إذ لا يتصور صدور تلك المرتبة التي هي اختيار الفعل ممن لا يقدر على ذلك الفعل. نعم إن الذي يمكن بالنسبة إلى فعل الغير بعد تحقق الشوق المؤكد إليه هو طلبه من ذلك الغير وأمره به وإيجابه عليه ، وهذا أعني طلبه منه الصادر بعد الشوق المؤكد إليه هو عبارة عن الارادة التشريعية ، وقد عرفت أنّها مجعولة للطالب لا أنّها هي ذلك الشوق المؤكد وإن كانت هي مسبوقة به ، كما أنّها ليست هي تلك المرتبة التي هي الاختيار ، فليست هي من صفات النفس ولا من أفعالها ، بل هي كما عرفت من المجعولات الشرعية وإن كانت مسبوقة بذلك الشوق المؤكد ، فنحن لا نقول إن الارادة التشريعية عارية من الميل والحب والشوق المؤكد ، بل نقول إنّها مسبوقة بذلك لا أنّها عينه.
وعلى أيّ حال أنّ هذه الجهة لا دخل لها بما هو محل البحث في الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين ، فان هذا البحث إنما هو في إرادة العبد لفعل نفسه ، وهل تكون علة لفعله أو أنّ العلة فيه أمر آخر متوسط بين الارادة والفعل ، وذلك الأمر الآخر هو حملة النفس الذي عبّر عنه شيخنا قدسسره بالطلب ، هذا كلّه بناء على أنّ الارادة هي نفس الشوق المؤكد لتكون من مقولة الكيف.
أمّا لو قلنا بأنّ الشوق المؤكد سابق على الارادة وأن الارادة متأخرة