نعم إن هذا البعث أو هذا الطلب لو خلي ونفسه ولم يتعقبه أو لم يقترن به ترخيص في الترك انتزع منه الوجوب ، ولو اقترن به الترخيص في الترك أو تعقبه انتزع منه عنوان الندب. وعليه فيكون ملاك الوجوب المجعول ابتداء أو المجعول انتزاعا من صيغة افعل بناء على إفادتها البعث أو بناء على إفادتها الطلب ممّا يكفي فيه الجعل الواحد ، بأن يجعل الوجوب للفعل ابتداء أو يجعل البعث ويخلقه بقوله « افعل » أو بقوله « بعثتك إليه » أو بقوله « أطلبه » أو « طلبته منك » بخلاف الندب فانه وإن أمكن وفاء الجعل الواحد به لكن ذلك فيما لو جعله ابتداء بأن يقول جعلت الفعل الفلاني مندوبا ، أما لو كان جعله بغير ذلك مثل جعل البعث أو جعل الطلب فلا يكفي فيه الجعل الواحد ، بل لا بد فيه من الجعلين : الأول هو جعل البعث والثاني هو جعل الترخيص في الترك ، ولك أن تسمي هذا الجعل الثاني متمّما للجعل الأول على حذو ما أفاده شيخنا قدسسره في التعبدي والتوصلي (١) ، وإن كان بينهما فرق في الجملة ، فان الجعل الأول في ذلك الباب يكون أقل من المصلحة فلا يكفي فيها ، بل لا بد في استيفائها من ضم الجعل الثاني إليه ، بخلاف ما نحن فيه فان الجعل الأول فيه يكون زائدا على المصلحة الباعثة على جعل الحكم الاستحبابي المفروض كونها غير مقتضية إلاّ للحكم غير الالزامي.
فجعل الطلب وحده يكون موجبا لكون الحكم إلزاميا ، فيكون الآمر مضطرا لأن يجعل جعلا آخر يتضمن جواز الترك ، ليتم بذلك الحكم غير الالزامي الذي هو ناش عن المصلحة غير الالزامية. ومن ذلك يعلم أن هذا
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٧٣.