ذلك جعل الملكات الخمسة أعني ملكة الشكر وملكة الميل إلى طاعة الخالق وملكة الميل إلى ثوابه وملكة الخوف من عقابه من قبيل الدواعي إلى فعل المأمور به ، وإن كان تحريكها متوقفا على وجود الأمر.
ثمّ إنّه جعل الأمر داعيا للفعل وسائقا للعبد نحوه ، وأفاد أنّ هذا السوق والتحريك غير منحصر بالسوق نحو ذات المأمور به ، بل جعله سائقا للعبد إلى كل ما يتوقف عليه وجود المأمور به من مقدمات عقلية وتكوينية وشرعية ، وبذلك أنكر ما هو المشهور من أن الأمر لا يدعو إلاّ إلى ما تعلق به. وبذلك جعل جميع المقدمات عبادية بالنظر إلى أنها إنما يؤتى بها بداعي الأمر ، وأنّ ذلك أعني عباديتها لا يتوقف على القول بأنّها مأمور بها شرعا ، فقال : بل لو قلنا بوجوب المقدمة وتعلق أمر غيري بها ، أمكن أن يقال أيضا بعدم كفاية قصده في عبادية متعلقه ، لعدم كونه أمرا حقيقيا بل هو نحو من الأمر يساوق وجوده العدم ... إلخ (١) وذلك لما أفاده من أن قصد الأمر المتعلق بذيها كاف في عباديتها لكونها في طريق إطاعة الأمر المتعلق بذيها.
وبذلك دفع إشكال عدم القدرة ، فان العبد يأتي بذات الصلاة بداعي أمرها الذي نالها من ناحية الأمر بالمركب أعني الصلاة بداعي أمرها ، وبذلك يكون قد حصل على الاتيان بالصلاة بداعي أمرها ، ويتحقق الجزء الأول وهو ذات الصلاة والجزء الثاني وهو كونها بداعي أمرها.
وهذا الجواب نظير ما يجاب به عن إشكال المصنّف على دخول اللحاظ الآلي في المعنى الحرفي ، من أنّه بناء عليه لا بد من لحاظ آخر
__________________
(١) المصدر المتقدم : ١١٨.