امتنعت البراءة لكون التردد حينئذ من قبيل التردد بين الخاص والعام ، مضافا إلى أنه لو كان من قبيل التقييد فليس هو من التقييد الاختياري للشارع ، بل هو من قبيل التقيد القهري ولا تجري البراءة الشرعية في مثله ، هذا كله من ناحية داعي الأمر.
وأما من ناحية العبادية والتقرب والخضوع ونحو ذلك مما قلنا إنه لا ربط له بداعي الأمر ، فلا ريب في كونه قيدا كسائر القيود ، فيمكن التمسك على نفيه بالاطلاق ، ولو لم يتم الاطلاق يكون داخلا في مسألة الأقل والأكثر نظير احتمال تقييد الصلاة بالتحنك والمرجع فيه هو البراءة ، ولا اختصاص لهذا القيد من بين سائر القيود ، هذا كله من ناحية الأصل العملي.
أما من ناحية الأصل اللفظي فقد حصره في الكفاية (١) بالاطلاق المقامي المتوقف على إحراز كون المتكلم في مقام بيان تمام ما له الدخل في غرضه وإن لم يكن له الدخل في المأمور به ، وهو قدسسره معذور من هذه الجهة ، لأنه بعد أن التزم بكون هذا القيد من حكومة العقل تحصيلا لما هو الغرض من الأمر أعني المصلحة مع فرض عدم إمكان التقييد به شرعا ، فتكون الاطلاقات الشرعية بمعزل عن هذا القيد ، إلاّ إذا أحرزنا التوسعة في بيان الشارع ، وأنه بصدد بيان كل ما يتوقف عليه الغرض وإن لم يكن دخيلا في المأمور به ، وذلك هو الاطلاق المقامي.
نعم ، يرد عليه ما تقدم (٢) ذكره من أنه في صورة كون المصلحة أخص ، لا وجه لأن يجعل الشارع الوجوب على الذات المطلقة ولو إطلاقا
__________________
(١) كفاية الاصول : ٧٥.
(٢) [ لم نعثر عليه ].