ومن داعي الأمر لا تكون مدخليته شرعية ليكون شيء منهما من قبيل الأسباب الشرعية ، بل هذه الامور أعني الجزء والشرط وداعي الأمر كلها أسباب عادية للمصلحة ، غير أن الأوّل أعني الجزء والشرط لمّا كان للشارع أن يأمر به ، فمع الشك في أمره به يكون المرجع فيه هو البراءة الشرعية ، وبها يندفع الشك في حصول المصلحة ، والثاني وهو داعي الأمر لمّا لم يكن أمره به ممكنا لم تجر فيه البراءة الشرعية ، فيبقى الشك فيه في حصول المصلحة بحاله ، وحينئذ يكون الحكم العقلي بعد العلم باشتغال الذمة بالصلاة بواسطة الأمر بها باقيا بحاله بلا حاكم عليه أعني البراءة الشرعية ، ومقتضاه لزوم الفراغ اليقيني عن ذلك الأمر ، وذلك لا يكون إلاّ مع إحراز الحصول على مصلحته والغرض الباعث عليه ، وهو أعني الاحراز لا يتأتى إلاّ بالاتيان بما يحتمل دخله فيها وهو داعي الأمر ، وحينئذ تنحصر المناقشة معه في هذه الجهة من الحكومة العقلية ، وأن العقل لا يحكم على المكلفين بلزوم تحصيل الغرض والمصالح فضلا عن الالزام باحراز حصولها في مقام الشك ، ولو كان ذلك لازما بحكم العقل لا نسدّ باب البراءة الشرعية في مسألة الأقل والأكثر ، فان حديث الرفع لا يثبت إحراز المصلحة في الأقل إلاّ بالأصل المثبت ، فلاحظ وتدبر.
وعلى كل حال أن شيخنا قدسسره قد أخرج كلام صاحب الكفاية قدسسره إلى ساحة الأسباب والمسببات ، وأن المسبب هو المصلحة والسبب هو الأجزاء والشرائط وداعوية الأمر ، وأن الفرق بين الأولين والثالث هو كون سببيتهما شرعية وكون سببيته واقعية تكوينية ، فاحتاج أوّلا إلى بيان الأسباب الشرعية وهل تجري البراءة في مواردها ، وثانيا إلى بيان أن ما نحن فيه ليس من قبيل الأسباب والمسببات ، ولو كانت فهي من الأسباب العادية ، من دون