فرق في ذلك بين الأجزاء والشرائط وبين داعوية الأمر ، ولأجل بيان عدم جريان البراءة في الأسباب والمسببات الشرعية ذكر مقدمة ، وهي أنه لا بدّ فيما يجري فيه حديث الرفع من كونه مجعولا شرعيا ، وكونه مجهولا للمكلف ، وكون رفعه فيه المنة على المكلفين ، ثم مثّل لذلك بالطهارة من الحدث أو من الخبث التي هي عنوان متولد من أفعال الوضوء أو من أفعال إزالة النجاسة بالغسلتين مثلا ، وذكر الخلاف في كون المجعول هو نفس المسبب أو أن المجعول هو السببية ، وأن المختار هو الأوّل.
وعلى كل حال أن الطهارة عند اجتماع تلك الأفعال مع جميع ما يحتمل اعتباره أعني عند اجتماع الغسلتين والمسحتين مع المضمضة مثلا تكون معلومة الحصول ، وعند الاقتصار على الغسلتين والمسحتين يكون حصولها مشكوكا ، ومن الواضح أن البراءة لا تجري في الأوّل لكون الطهارة حينئذ معلومة ، وإنما يمكن توهم جريانها في الثاني ، لكن جريانها فيه خلاف المنة ( قلت : بل هو خلاف قوله صلىاللهعليهوآله : « رفع عن امتي ما لا يعلمون » (١) فان ذلك الرفع لا يكون عنهم ).
وهكذا الحال فيما لو قلنا بجعل السببية ، فان سببية الخمسة معلومة لكن سببية الأربعة مجهولة ، إلاّ أنه لا منة في رفعها ، إلاّ أن نوجّه الرفع إلى جزء السبب وهو المضمضة ، ونقول إن جزئيته مرفوعة ، لكنه محال في محال ، لأن جعل السببية لتلك الأفعال محال ، وبعد تسليم جعلها تكون جزئية المضمضة لذلك السبب محالا ، لما حقق في محله (٢) من أن جزئية جزء الواجب منتزعة من التكليف المتعلق بالمركب لا أن الجزئية مجعولة ،
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١ ( مع اختلاف ).
(٢) فوائد الاصول ٤ : ٣٩٢ وما بعدها ، وستأتي حواشيه قدسسره عليه في المجلّد التاسع.