وكان من أبخل الناس على الطعام ، وكان لا يبالي أين قعد ، ولا مع من شرب)(١).
وممّا لا شبهة فيه أنّ أصالة الفكر والرأي من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يلي أمور المسلمين.
٣ ـ احتجابه عن الرعيّة :
واحتجب الأمين عن الرعية كما احتجب عن أهل بيته وامرأته وعمّاله واستخفّ بهم (٢) وانصرف إلى اللهو والطرب ، وقد عهد إلى الفضل بن الربيع أمور دولته ، فجعل يتصرف فيها حسب رغباته وميوله ، وقد خفّ إلى الأمين إسماعيل بن صبيح ، وكان أثيراً عنده ، فقال له : يا أمير المؤمنين انّ قوّادك وجُندك وعامة رعيتك ، قد خبثت نفوسهم ، وساءت ظنونهم وكبر عندهم ما يرون من احتجابك عنهم ، فلو جلست لهم ساعة من نهار فدخلوا عليك فإنّ في ذلك تسكيناً لهم ، ومراجعة لآمالهم.
واستجاب له الأمين فجلس في بلاطه ودخل عليه الشعراء فأنشدوه قصائدهم ، ثمّ انصرف فركب الخراقة إلى الشماسية ، واصطفّت له الخيل وعليها الرجال ، وقد اصطفّوا على ضفاف دجلة ، وحملت معه المطابخ والخزائن ، أمّا الخراقة التي ركبها فكانت سفينة على مثال أسد وما رأى الناس منظراً كان أبهى من ذلك المنظر ، وقد ركب معه أبو نؤاس وكان ينادمه فقال :
سخّر الله للأمين مطايا |
|
لم تسخّر لصاحب المحراب (٣) |
__________________
١ ـ عيون التواريخ : ج ٣ ورقة ٢١٢.
٢ ـ سمط النجوم : ج٣ ص ٣٠٦.
٣ ـ صاحب المحراب : هو سليمان بن داود الذي بنى بيت المقدس.