وحضر الاجتماع أهل الفضل وأعلام الفكر وسائر طبقات الناس وكان يوماً مشهوداً ، وقد غصّت قاعة الاجتماع على سعتها بالناس ، وأمر المأمون أن يفرش للإمام أبي جعفر عليهالسلام دست ، ويجعل له فيه مسورتان فصنع له ذلك ، وجلس فيه الإمام عليهالسلام وكان له من العمر تسع سنين وأشهر ، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه ، وجلس المأمون في دست متّصل بدست الإمام عليهالسلام.
واستحال الجمع إلى آذان صاغية ، وانبرى يحيى إلى المأمون فطلب منه أن يأذن له في امتحان الإمام فإذِن له في ذلك ، واتّجه يحيى صوب الإمام وقال له :
( أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ .. ).
وقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً :
( سل إن شئت .. ).
ووجّه يحيى مسألته إلى الإمام قائلاً :
( ما تقول جعلني الله فداك في مُحرم قتل صيداً؟ .. ).
وحلّل الإمام عليهالسلام هذه المسألة إلى عدّة مسائل ، وشقّقها إلى مجموعة من الفروع وسأل يحيى أي فروع منها أراد قائلاً :
( قتله في حلّ أو حرم ، عالماً كان المحرم أم جاهلاً ، قتله عمداً أو خطأً ، حرّاً كان المحرم أم عبداً ، صغيراً كان أم كبيراً ، مبتدءاً بالقتل أم معيداً ، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيره ، من صغار الصيد أم من كبارها ، مصرّاً كان أو نادماً ، في الليل كان قتله للصيد أم نهاراً ، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً .. ).
وذهل يحيى ، وتحيّر ، وبان عليه العجز إذ لم يتصوّر هذه الفروع المترتّبة على مسألته ، وعلت في القاعة أصوات التكبير والتهليل ، فقد استبان للجميع أنّ أئمة أهل البيت عليهمالسلام هم معدن العلم والحكمة وإنّ الله منح كبارهم وصغارهم بما منح به أنبياءه