بعده إلاّ قليلاً ثمّ يرحل إلى جوار الله ، ويفارق هذا العالم المليء بالفتن والأباطيل ، وقد قال :
( الفرج بعد وفاة المأمون بثلاثين شهراً .. ).
ولم يلبث بعد وفاة المأمون إلاّ ثلاثين شهراً حتى توفّي (١) وسنذكر ذلك في البحوث الآتية من هذا الكتاب.
وفي نهاية هذا الحديث نودّ أن نبيّن أن المأمون أسمى شخصيّة سياسية وعلمية من ملوك بني العباس فقد استطاع أن يتخلّص من أشدّ الأزمات السياسية التي أحاطت به ، وكادت تقضي على ملكه وسلطانه وكان من ذكائه الخارق أنّه تقرّب إلى العلويين وأتباعهم فأوعز إلى أجهزة الأعلام بنشر فضل الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام على جميع الصحابة كما ردّ فدكاً إلى العلويّين ، وعهد إلى الإمام الرضا عليهالسلام بولاية العهد ، وزوّج الإمام الجواد عليهالسلام من ابنته أمّ الفضل ، ولم يصنع ذلك عن إيمان أو إخلاص لأهل البيت عليهمالسلام وإنّما صنع ذلك ليتعرّف على الحركات السرية والأجهزة السياسية التي كانت تعمل تحت الخفاء للإطاحة بالحكم العباسي وإرجاع الخلافة إلى العلويّين.
لقد استطاع المأمون بعد هذه العمليات التي قام بها أن يتعرّف على الخلايا وما تقوم به من النشاطات السياسية ضدّ الحكم العباسي وقد جهد قبله ملوك بني العباس أن يتعرّفوا على ذلك فلم يستطيعوا ولم يهتدوا إلى ذلك بالرغم ممّا بذلوه من مختلف المحاولات التي كان منها التنكيل الشديد بأنصار العلويّين وشيعتهم ، وإنزال أقصى العقوبات بهم ، فإنّهم لم يصلوا إلى أيّة معلومات عنهم ، ولم يكشفوا أي جانب من جوانبهم السياسية.
__________________
١ ـ إثبات الهداة : ج ٦ ص ١٩٠.