ودلت هذه البادرة على مدى ذكائه ، فقد أدرك من وداع أبيه للبيت الحرام أنه الوداع الأخير له ، لأنّه رأى ما عليه من الوجل والأسى مما أوحى إليه أنّه النهاية الأخيرة من حياته ، وفعلاً قد تحقق ذلك فإنّ الإمام الرضا عليهالسلام بعد سفره إلى خراسان لم يعد إلى الديار المقدسة ، وقضى شهيداً مسموماً على يد المأمون العباسي.
٢ ـ ومن بوادر ذكائه ما حدّث به المؤرخون أن المأمون قد اجتاز في موكبه الرسمي في بعض شوارع بغداد على صبيان يلعبون ، وكان الإمام الجواد واقفاً معهم فلما بصروا بموكب المأمون فرّوا خوفاً منه سوى الإمام الجواد فإنه بقي واقفاً فبهر منه المأمون ، وكان لا يعرفه ، فقال له :
( هلا فررت مع الصبيان ... ؟ ).
فأجابه الإمام بمنطقه الرائع الذي ملك به عواطف المأمون قائلاً :
( يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك ، وليس لي جرم فأخشاك والظنّ بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له .. ).
وعجب منه المأمون وسأله عن نسبه فأخبره به فترحّم على أبيه (١) وسنعرض لهذه الجهة في البحوث الآتية.
٣ ـ ومن آياته نبوغه المذهل انّه في سنه المبكر قد سأله العلماء والفقهاء عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنها .. ولا مجال لتعليل هذه الظاهرة إلاّ بالقول إنّ الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت عليهمالسلام طاقات مشرقة من العلم لم يمنحها إلاّ إلى أولي العزم من أنبيائه ورسله.
__________________
١ ـ أخبار الدول : ص ١١٥.