لقد روى المؤرخون صوراً رائعة من مكارم أخلاقه فقد رووا أنّه لما كان في خراسان وتقلد ولاية العهد ، التي هي أرقى منصب في الدولة الإسلامية بعد الخلافة فلم يأمر أحداً من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وإنما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه ، وقد احتاج إلى الحمام فكره أن يأمر أحداً بتهيأته ، ومضى إلى حمام في البلد لم يكن صاحبه يعرفه فلمّا دخل الحمام كان فيه جندي فأزال الإمام عن موضعه ، وأمره أن يصب الماء على رأسه ، ودخل الحمام رجل كان يعرف الإمام فصاح بالجندي هلكت ، أتستخدم ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ فذعر الجندي ووقع على الإمام يقبّل أقدامه ، ويقول :
( هلا عصيتني إذ أمرتك .. ).
فتبسّم الإمام في وجهه وقال له برفق ولطف :
( إنها لمثوبة ، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه .. ) (١).
ومن معالي أخلاقه أنه إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه حتى السايس والبوّاب (٢) وقد أراد بذلك القضاء على التمايز بين الناس ، وإفهام المجتمع أنهم جميعاً على صعيد واحد ، وقد اثر عنه من الشعر في ذلك قوله :
لبست بالعفّة ثوب الغنى |
|
صرت أمشي شامخ الرأس |
لست إلى النسناس مستأنساً |
|
نّني آنس بالناس (٣) |
إذا رأيت التيه من ذي الغنى |
|
تهت على التائه باليأس (٤) |
__________________
١ ـ نور الأبصار : ص ١٣٨.
٢ ـ المناقب : ج ٤ ص ٣٦١.
٣ ـ النسناس : دابة وهمية على شكل الإنسان.
٤ ـ التيه : الكبر.