( وألمّ كلام الإمام بجوهر التوحيد فأبطل أن تكون أيّة صفة من صفاته تعالى مستلزمة للعدد والكثرة وذلك ما يترتّب عليها من الآثار الفاسدة المستحيلة بالنسبة له تعالى ، فلا حدوث في صفاته ، ولا تجزّئ في ذاته فصفاته عين ذاته ، كما دلّل على ذلك في علم الكلام .. أمّا تحليل هذه الفقرات من كلامه فإنّه يستدعي بحوثاً مطوّلة ، وقد آثرنا الإيجاز فيها.
وبهر السائل من إحاطة الإمام بهذه البحوث المعقّدة وراح يسأله قائلاً :
( كيف سمّي ربّنا سميعاً .. ).
فأجابه الإمام جواباً رائعاً دفع به الشبهة قائلاً :
( إنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس ، وكذلك سمّيناه بصيراً لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون وشخص وغير ذلك ، ولم نصفه بنظر لحظ العين ، وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة ، وأحقر من ذلك .. وموضع الشقّ منها ، والعقل والشهوة ، والسفاد والحدب على نسلها ، وإفهام بعضها عن بعض ، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال ، والمفاوز والأودية والقفار ، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف ، وإنّما الكيفيّة للمخلوق المكيّف. وكذلك سمّي ربّنا قويّاً لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوّته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصاً كان غير قديم ، وما كان غير قديم كان عاجزاً فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ، ولا ندّ ، ولا كيف ، ولا نهاية ، ولا إخطار محرم على القلوب أن تمثّله ، وعلى الأوهام أن تحدّه وعلى الضمائر أن تكيّفه جلّ عن أدات خلقه وسمات بريّته ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً .. ) (١).
__________________
١ ـ التوحيد : ص ١٤٢ ـ ١٤٣.