مشرب الشّرع مائه ، وذهب روائه ، وتزعزعت بنيانه ، وتضعضعت أركانه ، فصار مطموس المعالم ، ومنكوس الدّعائم ، وعفت رسومه وآثاره ، وخلت عن أهله دياره ، فاشرف على الدّروس درسه ، واشفى ولم يبق من حزبه إلّا قوم في بلد ح عجفى.
كما قال أبو الطّيّب أحمد بن حسين المتنبّي (١) : شعر
رمانى الدّهر بالأزراء حتّى |
|
فؤادى في غشاء من نبال |
وصرت إذا أصابتنى سهام |
|
تكسّرت النّصال على النّصال |
فعلى هذا ؛ إنّي فيما يصدر منّى ذو عذر عند ذوى البصائر ، لأنّى ضعيف عديم الخلّان والعشائر ، فلا يفارقنى تجرّع كؤس الشّدائد ، ولا تعطيل الهموم والأحزان عن تحصيل المقاصد :
جور الزّمان مديم قبض ناصيتى |
|
والقلب للحزن بيت لا يفارقه |
إن رمت جلب سرور فيه قال لقد |
|
حاز المكان ونال الملك سابقه |
فاتّخذنى الدّهر غرضا يرمينى بسهام الهموم والأحزان ، وليتنى مع
__________________
(١) أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصّمد الجعفى الكندى الكوفى ، المعروف بالمتنبّى ، كان من الشّعراء المشاهير والأدباء النّحارير ، وكان من النّوابغ والحذّاق ، بحيث : يحفظ ما على ثلاثين ورقة بنظرة واحدة ، وله ديوان شعر مشهور كبير شرحوه أكثر من أربعين شرحا ، ولم يفعل هذا بديوان غيره ولد بالكوفة سنة : ٣٠٣ من الهجرة.
وإنّما سمّى بالمتنبّى؟! لأنّه كان قد خرج إلى بنى كلب ، وادّعى إنّه علوىّ حسنىّ ، ثمّ ادّعى النّبوّة ، وذلك ببادية السماوة ، فتبعه خلق كثير من بنى كلب وغيرهم ، وقتل هو وولده وغلامه في معركة هو سببها بالقرب من نعمانية بغداد في يوم الأربعاء لست يقين من شهر رمضان سنة ٣٥٤ ، وقيل : تنبأ على مصلحة رآها فيه في دولة الباطل لكثرة ما قد شاهد من ظلم بنى العبّاس وسيلة إلى التمكن من الإنكار عليهم والتّوهين لأمرهم والتّحفّظ عن شرّهم ـ المسترحمى.