وأمّا عدم وجوب المقدّمات الوجودية على الصبي ـ الذي يعلم بأنّه سيبلغ ويفوته بعض ما افترضه الله عليه لو لم يأت بمقدّماته قبل البلوغ ـ فلنقص فيه ، وعدم صلاحيته في نظر الشارع ـ كغير المميز ـ لأن يلزم بشيء ، لا لقصور في المقتضي ، فإذا أدرك العقل نقصه ، قيّد التكاليف المتوجّهة إلى البالغين بالقدرة المقيّدة بحصولها بعد البلوغ ، وهي أخصّ من مطلق القدرة التي يراها العقل شرطا في جواز التكليف بالفعل ، فلا يكون نقصا على المدّعى ، كما أنّه لا ينتقض ذلك ببعض المقدّمات التي دلّ الدليل على جواز تفويتها ، كنقض الطهارة بالجنابة العمدية مع العلم بعدم التمكّن من الاغتسال بعده ، فإنّه يفهم من ذلك الدليل ـ بالملازمة العقلية ـ أنّ القدرة على الاغتسال بعد الجنابة ـ التي هي أخصّ من مطلق القدرة على الطهارة ـ شرط شرعي لوجوب الصلاة مع الطهارة ، فلم يوجبها الشارع على الإطلاق حتى يجب حفظ مقدّماتها مع الإمكان كما هو المفروض في ما نحن فيه.
ولعلّ ما ذكرناه ـ من تنجّز التكليف بالمقدّمات الوجودية بعد إحراز تحقّق شرائط الوجوب ـ منشأ توهّم من توهّم أنّ العلم بصيرورة الفعل واجبا في ما بعد سبب لوجوب المقدّمة ، ولم يتفطّن الى أنّ العلم بحصول التقدير كاشف عن كون التكليف منجّزا في حقّه.
إن قلت : سلّمنا ذلك ، ولكنك اعترفت بأنّه لا يتنجّز التكليف ما لم يعلم بتحقّق الشرط واندراج المكلّف في زمرة المكلّفين بهذا التكليف ، فما لم يحرز كونه قادرا على الفعل ينفى وجوبه بأصل البراءة ، ولا يحرز