ولعلّه لذا ذكر في محكي الروض : أنّ سراية النجاسة إلى العالي غير معقولة (١) ، ضرورة أنّ ثبوتها تعبّدا معقول ، إلّا أنّ العرف لا يتعقّلونها ولا يفهمون نجاسة العالي من حكم الشارع بأنّ الماء ينجس بملاقاة النجس ، فاتّضح لك أنّ الحكم بنجاسة ما عدا الجزء الملاقي يتوقّف على شهادة العرف بكونه معروضا للنجاسة ، أو قيام دليل تعبّدي ، وحيث انتفى الأمران ـ كما في ما نحن فيه ـ فالأصل طهارته ، وليس حكم العرف بنجاسة سائر أجزاء الماء دائرا مدار وحدة الماء عرفا ، إذ ربما يلتزمون بوجدة الماء بحيث يتقوّى بعضه ببعض ، كما في ماء النهر ، ولكنهم لا يتعقّلون سراية النجاسة إلى الجزء العالي بملاقاة السافل.
فتقرّر لك أنّه لا حاجة لنا في إثبات طهارة العالي إلى التشبّث بالإجماع ، حتى يشكل الأمر في بعض مراتب العلوّ ، التي لا يعلم بدخولها في مراد المجمعين ، فلا وجه لتردّد بعض الأعلام في حكم الجزء العالي ممّا عدا الماء من المائعات ، لزعمه انحصار المدرك في الإجماع ، وعدم ثبوته في ما عدا الماء من المائعات (٢).
هذا ، مع أنّ الظاهر أنّ تردّده في انعقاد الإجماع في غير محلّه.
ويلحق بالعالي في الحكم المساوي بل السافل أيضا إذا كان لهما دفع وقوّة ، كالقربة التي يخرج من ثقبها الماء بحدّة ، ويتّصل بالسطح النجس ، فإنّ ما فيها يبقى على طهارته بلا إشكال ، لعين ما ذكر ، والله
__________________
(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١١ ، وراجع : روض الجنان : ١٣٦.
(٢) جواهر الكلام ١ : ١٣٥.