لاقى جزؤه السافل للنجس حال جريانه.
أقول : أمّا عدم سراية النجاسة إلى العالي فممّا لا شبهة فيه ، وأمّا كونه تخصيصا لهذه القاعدة ففيه تأمّل ، بل منع ، إذ لا يستفاد من الأدلّة المتقدّمة إلّا كون وصول النجس إلى الماء ـ كغيره من الأجسام الطاهرة ـ سببا لنجاسة الماء في الجملة ، أمّا كونه مقتضيا لنجاسة مجموع أجزائه ، أو بعضها ، أو خصوص الجزء الملاقي للنجس ـ كما في الأجسام الجامدة ـ فلا يكاد يستفاد من شيء من هذه الأخبار بالنظر إلى مدلولها اللفظي من حيث هو ، إذ لا فرق من حيث اللفظ بين قولك : الثوب يتنجّس بالبول ، والماء يتنجّس بالبول ، إلّا أنّ بينهما فرقا في ما يتفاهم منهما عرفا ، حيث إنّ كلّ جزء من أجزاء الثوب لجموده موضوع واحد عرفا ، حيث العرف ، وأمّا الجسم المائع فمجموع أجزائه موضوع واحد عرفا ، فلا يلاحظ كلّ جزء جزء بحياله معروضا للانفعال ، وقد أشرنا في ما سبق إلى أنّ كيفية الانفعال أمرها موكول إلى ما هو المغروس في أذهان عرف المتشرّعة ، إذ ليس لنا في الأدلّة الشرعية ما كان مسوقا لبيان كيفية التنجيس ، فلا بدّ من أن يرجع في تشخيص الموضوع إلى ما يفهمه العرف من الخطاب.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ أهل العرف لا يتعقّلون سراية النجاسة إلى العالي ، ولا يفهمونها من الخطابات الشرعية ، فكما لو جرى الماء العالي على شيء من القذرات الصورية التي يتنفّر طباعهم عن ملاقيها لا يستقذرون هذا الماء العالي ، فكذلك لا يحتملون سراية النجاسة اليه ،