ليس كأعيان النجاسات ممّا لا يقبل الطهارة إلّا بالاستحالة وتبدّل موضوعها ، بل يطهر مطلقا بإشاعته في ماء غير قابل للانفعال مزيل لتغيّره لو كان متغيّرا ، من دون فرق بين إلقائه على الماء العاصم أو عكسه أو تلاقيهما بلا خلاف فيه ظاهرا (و) إن كان ربما يوهمه تعبير المصنّف ـ رحمهالله ـ كالعلّامة (١) وغيره (٢) ـ بأنّه (يطهر بإلقاء كرّ عليه فما زاد دفعة) لإشعاره باعتبار علوّ المطهّر ، ولكنه ينبغي القطع بعدم إرادتهم الانحصار ، كما سيتّضح لك في ما بعد إن شاء الله ، فتعبيرهم بإلقاء الكرّ جار مجرى العادة في مقابل من يقول بكفاية إتمامه كرّا.
نعم عن العلّامة في التذكرة أنّه ذكر قول الشافعي بطهارة النجس بالنبع من تحته ، وردّه بأنّا نشترط في المطهّر وقوع الكرّ دفعة (٣).
والظاهر أنّ مقصوده بيان اشتراط ملاقاة الكر دفعة ، وعدم كفاية النبع من الأرض تدريجا ، لا بيان اشتراط علوّ المطهّر ، ولذا ذكر في محكي المنتهى في ردّ هذا القول : أنّ النابع ينجس بملاقاة النجاسة (٤).
ولكنك خبير بأنّ ما ذكره لا ينافي ما نحن بصدده ، لأنّ مآله إلى بيان ما هو شرط في اعتصام الماء لا في مطهّرية الماء المعتصم.
وكيف كان فممّا يدلّ على أنّ الماء يطهر في الجملة ، ولا يعتبر فيه الاستهلاك كما يعتبر ذلك في النجاسات العينية الواقعة في الماء : صحيحة
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ١١ ، تحرير الأحكام ١ : ٤.
(٢) المعتبر ١ : ٥١ ، الدروس ١ : ١١٨.
(٣) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٠٠ ، وراجع تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.
(٤) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ١ : ١٣٧ ، وراجع ، منتهى المطلب ١ : ١١.