الاشتغال زمانا ، وسمع المسند كله من حنبل (١) ، وله شعر كثير ، وكان عديم الالتفات الى النواميس وأبهة الملوك ، يركب وحده مرارا ثم تتلاحق مماليكه بعده ، توفي في سلخ ذي القعدة ، وكان فيه خير وشر كثير سامحه الله ، تملك بعد أبيه انتهى.
وقال ابن كثير في سنة اربع وعشرين وستمائة : السلطان الملك المعظم عيسى بن العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب ملك دمشق والشام ، وكانت وفاته يوم الجمعة سلخ ذي القعدة من هذه السنة ، وكان استقلاله بملك دمشق لما توفي أبوه سنة خمس عشرة وستمائة ، وكان شجاعا عاقلا فاضلا اشتغل في الفقه على مذهب أبى حنفية على الحصيري مدرس النورية ، فقرأ عليه الجامع [الكبير] وغيره ، وفي اللغة والنحو [ص ٦٣] على الشيخ تاج الدين الكندي ، وكان محفوظه مفصل الزمخشري ، وكان يصل من حفظه بثلاثين دينارا ، وكان قد أمر أن يجمع له كتاب في اللغة يشتمل على صحاح الجوهري والجمهرة لابن دريد والتهذيب للأزهري وغير ذلك ، وأمر أن يرتب له مسند أحمد ، وكان يحب العلماء ويكرمهم ، ويجتهد في متابعة الخير ، ويقول : أنا على عقيدة الطحاوي ، وأمر عند وفاته أن لا يكفن الا في البياض ، وان يلحد له ، ويدفن في الصحراء ، ولا يبنى عليه ، وكان يقول واقعة دمياط ادخرها عند الله تعالى ، وأرجو أن يرحمني بها ، يعني أنه أبلى فيها بلاء حسنا رحمهالله ، وقد جمع له من الشجاعة والسماحة والبراعة والعلم ومحبة أهله ، وكان يجيء في كل يوم جمعة الى تربة والده ، فيجلس قليلا ، ثم اذا ذكّر المؤذنون ينطلق الى تربة عمه صلاح الدين فيصلي فيها الجمعة ، وكان قليل التعاظم يركب في بعض
__________________
(١) هو : حنبل بن عبد الله الرصافي راوي مسند احمد بن حنبل ، توفي بعد رجوعه من دمشق واسماعه بها سنة (٦٠٤).