المثل والظاهر أنه صنع في الأيام العظيمة الخوف في التواريخ القديمة وهو قبلي منبج على ثلاث ساعات منها ، وفيه أبيات كثيرة ملؤها نابع ، واتساعه زائد ، بحيث قالوا انه يسع أهل اقليم ومن توغل فيه تاه ومات ، ونحن لذلك لم ندخل حذر الخوف ورأينا المكان الذي كان به الشيخ محمد بن العرودك وقسنا (١) منه الى خارج باب القاطر فكان قريبا من ثلثمائة خطوة ورأينا المكان الذي كان به الخفير وهو يرمي بالسهام فكان بينه وبين باب القاطر أكثر من ستمائة خطوة ووصل سهمه الى قريب من الباب ، فانظر ذلك وتفكر فيه وهل هذه الا معان لطيفة ينبغي التنبه لها ، والايمان بصحتها ، والتعجب من قدرة مقدرها ، وحكمة صانعها. ألا ترى يا هذا الى اعلام الشيخ بقدوم قاتله في اليوم الثاني [ص ١٨٢] بحليته وصفته ، ثم لما أخبر بقدومه ونهض للقائه ، ثم إخباره بقتله له والسهم بينه وبينه تلك المسافة وليس بارزا له بل المقتول داخل الحصن بحيث لو فتح النقاب للسهم منفذا ما وصل اليه في سنة ، فهل يبقى في ذلك شك أو في أمر الخفراء توقف أو ريب الا عند من طمس الله على قلبه وأعمى بصيرته وكم لذلك من مثل رأيناه وسمعناه في أيامنا من جند من أصحاب الامراء وغيرهم من لا يظن به أنه من أهل ذلك ، وقد أخبرونا بصورة الوقائع قبل وقوعها ثم لم يختلف الحال فيما أخبرونا به ، ولكن لا نذكر ذلك كله لعلمنا بتطرف الجهلة ، وايذاء الفجرة ، عافانا الله من أمراضهم ، وكفانا مثل أغراضهم ، ولا حشرنا في زمرتهم ، ولا ابتلانا بكسوف شمسهم ، ولا بخسوف قمرهم ، آمين.
وروينا أن هذا الشيخ محمد قدم الى البيرة المحروسة مرة ونزل عند الشيخ مسلم الحسا بحوش البيرة ، ومما جرى له أنه اجتمع عنده
__________________
(١) في الاصل : وفنا.