الدينية. ولكن من المؤكد أنه كانت لذلك أسباب عملية أخرى. فلكي يستطيع التفرغ لمحاربة اليونان ، كان لا بدّ من أن يحافظ على الاستقرار في الولايات الخاضعة له ، والإفادة من مواردها المادية ، وحتى من طاقتها البشرية.
لكن الفشل في إخضاع اليونان ، واستمرار الحرب تراوح مكانها بعد موته ، تركا آثارا سلبية على إمبراطورية داريوس ، التي وضعت هذا الهدف في على سلم أولوياتها. فتركيز السلطة في البلاط جعله مركزا للتآمر ، وبالتالي التنافس الشديد على التقرب من ملك الملوك (الشاهنشاه). واستمرار الحرب استنزف الموارد وزاد في الأعباء ، من الأموال والرجال ، ليس على الفرس فحسب ، بل على الشعوب الخاضعة لحكمهم أيضا. واستشرى الفساد في الدولة ، وسادت فيها الانتهازية ، في البلاد كما في الولايات. وإزاء هذه الحالة من التراجع ، لم تنفع ملوك الفرس السياسة المعتدلة تجاه ديانات الشعوب المتذمرة من أعباء الضرائب. وعندما ثارت تلك الشعوب عمد الفرس إلى قمعها ، فدخلت الإمبراطورية في حركة لولبية هابطة ، انتهت بسقوطها. في تنظيمه الإداري للإمبراطورية ، قسمها داريوس إلى ٢٠ ولاية (سترابا) ، وعلى كل منها وال (ستراب). وفلسطين كانت جزءا من الولاية الخامسة ، التي عرفت باسمها الأرامي «عبر نهرا» ، أي «ما وراء النهر» ، والمقصود نهر الفرات. وهي تضم ، بحسب هيرودوتس ، بلاد الشام كلها ـ سورية وفينيقيا وقبرص ويهود. ويذكر هيرودوتس أن «العرب معفون من الضرائب» ، أي أن البدو الرحل في الصحراء ـ جنوب أدوم وسيناء ـ كانوا خارج سلطة الوالي ، الذي مقره في دمشق وعلاقتهم بالإمبراطورية هشة. والسهل الساحلي الفلسطيني كان مقاطعة فينيقية ، تابعة لمدينتي صور وصيدا إداريا ، ما عدا عكا وأكزيب (الزيب) وغزة ، فقد كانت مدنا مستقلة. وقد أعطى الملك الفارسي الساحل الفلسطيني للمدن الفينيقية الرئيسية ، لتكون موردا للمواد الزراعية اللازمة لها كمراكز تجارية ، وموانىء مهمة. وقد أولى داريوس المدن الفينيقية معاملة خاصة لمساعدتها إياه عبر أساطيلها في نشاطه الحربي. وكان للفينيقيين (التجار) مصلحة مشتركة مع الفرس في ضرب المدن اليونانية ، التي كانت المنافس التجاري الرئيسي لها في البحر الأبيض المتوسط. فعلى العكس من الأشوريين الذين لم يهتموا بالبحر الأبيض المتوسط وطرقه وتجارته ، وبالتالي بمدنه وقواه السياسية ، فلم يتعرضوا لها ، وضع الفرس هذه المهمة على رأس جدول أعمالهم ، وتعاون الفينيقيون معهم.
وكان الداخل الفلسطيني مقسما إلى وحدات أصغر (مقاطعات). ومن المصادر اليونانية ـ هيرودوتس وغيره ـ يستفاد أنه في نهاية العصر الفارسي ، كانت فلسطين