وانسحبت إلى فحل ، شرقي النهر. فوقعت هناك معركة في كانون الثاني / يناير ٦٣٥ م ، شاركت فيها إمدادات جديدة أرسلها الخليفة من المدينة ، وانتصر فيها العرب ، وطاردوا فلول البيزنطيين إلى دمشق. وإزاء هذه التطورات ، اقتنع الطرفان كما يبدو بمصيرية الصراع ، فحشد كل منهما ما لديه من قوات. أمّا الخليفة ، فإضافة إلى الإمدادات التي أرسلها ، بعث إلى خالد بن الوليد في العراق ، يأمره بالتوجه إلى بلاد الشام. فجاز خالد الصحراء ، ووصل إلى أطراف دمشق ، واستسلمت له بصرى (٦٣٥ م). أمّا هيراكليوس (هرقل) ، فجمع جيشا كبيرا وأرسله لمقابلة العرب في موقعة اليرموك ، حيث هزم ، واضطر الإمبراطور إلى الإسراع بمغادرة سورية متوجها إلى عاصمته.
بعد اليرموك ، تتباين الروايات بشأن سقوط المدن الرئيسية في فلسطين ، وخصوصا بيت المقدس (إيلياء) وقيساريا. ففي سنة ٦٣٧ أو ٦٣٨ م ، وبعد حصار طويل ، هرب القائد البيزنطي من إيلياء ، فبقيت تحت سلطة البطريرك سوفرونيوس ، الذي اشترط تسليم المدينة المقدسة إلى الخليفة عمر بن الخطاب نفسه ، الذي كان قد وصل إلى الجابية للقاء القادة هناك ، وتنظيم الأراضي التي وقعت في أيديهم ، ودراسة خطط المستقبل. وجاء عمر إلى القدس ، وعقد مع البطريرك صلحا ، سلمت بموجبه المدينة للخليفة. وكتب عمر عهدا للمسيحيين من سكانها ، آمنهم به على أرواحهم وأموالهم وكنائسهم ، لقاء الجزية والولاء لدولة الإسلام. وتؤكد المصادر أن عمر حظر على اليهود الإقامة في القدس بين المسيحيين تحت طائلة العقاب الجسدي والمادي.
وتتباين الروايات كذلك بشأن سقوط قيساريا ، المدينة الكبرى في فلسطين البيزنطية. ومن الواضح أنها صمدت فترة طويلة أمام الحصار البري ، بفضل الأسطول البيزنطي الذي ظل يسيطر على البحر. وإذا صحّ أنها صمدت سبع سنوات ، فإنها تكون سقطت سنة ١٩ ه / ٦٤٠ م. ويورد بعض المصادر أن العرب دخلوها عبر قنوات المياه المؤدية إليها ، بعد أن دلهم أحد سكانها اليهود على نفق سرّي. وتبالغ المصادر في عدد سكانها والجنود الذين تمركزوا فيها (٠٠٠ ، ٧٠٠ بيزنطي و ٠٠٠ ، ٢٠٠ يهودي و ٠٠٠ ، ٣٠ سامري). وبعد قيساريا سقطت عسقلان وغيرها. وفي الأغلب أن هذه المدينة ، سقطت في يد معاوية بن أبي سفيان ، الذي احتل موقع أخيه يزيد بعد موته ، ثم عينه عمر بن الخطاب واليا على كل بلاد الشام.
وسواء عن تخطيط مسبق ، مصادفة أو الحتمية التاريخية ، كان فتح بلاد الشام عامة وفلسطين خاصة ، على أيدي العرب المسلمين حدثا مهما في التاريخ العالمي.